عابد جلبي عن هذا، فقال: قال لي الشيخ: انظر إلى بدر الدين خليفة، وكان إماما بالجامع المذكور، وكان رجلا صالحا من أهل الطريقة الخلوتية، قال: قال: فنظرت فإذا هو في زيّ راهب، فتبسّمت من هذا، قال الشيخ مصلح الدين رحمه الله تعالى: فازداد بهذا الكلام اضطرابي، فقلت في نفسي: كيف كشف الشيخ حال ذلك الإمام، مع أنه رجل صالح من أهل الطريقة، كيف خصّ هذا الكلام بعابد جلبي، ولم يكن ذلك من عادته، فغلب علي هذا الخاطر، حتى تكلّمت عند الشيخ، قال الشيخ: ذلك الزيّ صورة إنكاره عليّ لا صورة دينه، وتخصيص الكلام بعابد جلبي هو أن مشارب الناس مختلفة، مثلا صبيان العوام يعلمون بالضرب، وصبيان الأكابر يعلمون باللطف، ولو لم أتلطّف معه لتركني، وترك هذا الطريق.
ومن جملة مناقبه: أن عجوزا من إحبائه جاءت إليه يوما، فقالت: رأيت واقعة عجيبة، رأيتني في المنام ضفدعا، فقال الشيخ لا بأس بذلك، ولا ضرر فيه عليك، ولم تقنع العجوز بهذا الكلام، ولم تبرح من مكانها، ثم التفت إليها الشيخ، وقال لعلّك نويت الضيافة، فتركتها، قالت: نعم نويت ضيافة أحباء الشيخ، ثم تركتها لضيق مكاني عنهم، فراحت العجوز، وقنعت بهذا التعبير، قال: فسألناه عن هذا التعبير، قال: إن التعبير قد يؤخذ من اللفظ، وكلمة ضفدع مركّب من ضف، وهو من الضيافة، ومن دع وهو معنى الترك.
ونقل عن المولى عابد جلبي المزبور أنه قال: أقمت عند الشيخ مدّة، ولم ينفتح لي شيء، ونويت أن ننقل إلى خدمة الشيخ محي الدين الأسكليبي، قال: فصليت في الجامع يوما، وأنا على هذه الخاطرة، والشيخ يصلّي في العلوّ، وبعد الصلاة التفت إليّ الشيخ، قال رأيتك تصلّي، ولكنّني رأيتك في صورة الشيخ محي الدين الأسكليبي، قال: فاعتذرت إليه، وقبلت يده، ولازمت خدمته، قدّس الله تعالى سرّه العزيز.