واشتغل بطلب العلم، وبالغ فيه، حتى حصل له ما لم يحصل لغيره. ودخل يومًا على المنصور، فكان عنده عيسى بن موسى، فقال للمنصور: هذا عالم الدنيا اليوم.
ورأى أبو حنيفة في المنام أنه يَنْبِش قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل لمحمد بن سيرين، فقال: صاحب هذه الرؤيا رجل يثوِّر عِلْمًا - أي يستخرج علما - لم يسبقه إليه أحد قبله.
وكان مسعر بن كِدام يقول: ما أحسُد أحدا بـ "الكوفة" إلا رجلين: أبو حنيفة في فقهه، والحسن بن صالح في زهده، وقال مِسْعر أيضًا: من جعل أبا حنيفة بينه وبين الله رجوتُ أن لا يخاف، ولا يكونَ فرَّط في الاحتياط لنفسه.
وقال الفضيل بن عياض: كان أبو حنيفة رجلًا فقيها معروفا، بالفقه، مشهورا بالورع، واسع المال، معروفا بالإفضال على كل من يُطيف به، صبورا على تعليم العلم بالليل والنهار، حسَنَ الدين، كثير الصمت، قليلَ الكلام حتى تَرِدَ مسئلة في حرامٍ أو حلال، وكان يحسن يدلّ على الحق، هاربا من مال السلطان، وإذا وردتْ عليه مسئلة فيها حديث صحيح اتبعه، وإن كان عن الصحابة والتابعين، وإلا قاسَ، فأحسن القياس.
وكانت ولادته سنة ثمانين، ومات في رجب سنة خمسين ومائة، ودُفن بمقبرة الخَيْزُران بباب الطاق، وصُلِّيَ عليه ستَّ مرات من كثرة الزحام، آخرهم صلى عليه ابنه حمَّاد، وغسَّله الحسن بن غمارة، ورجلٌ آخر.
قلتُ: وزرت قبره غير مرة. انتهى.
قلت: ذكره الذهبي وابن ناصر الدين في "طبقات الحفَّاظ". انتهى ما ذكره البدخشي.