للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وروَىِ الخطيبُ (١)، بسنَدِه إلى القاضي أبي طاهر محمد بن أحمد بن عبد الله بن نَصْر، أنَّه قال: بَلَغني أنَّ أبا خازِم القاضي جلَس في الشَّرْقِيَّة، وهو قاضيها للحُكْم، فارْتفَع إليه خَصْمان، فأجْرَى أحدُهما بحَضْرتِه ما أوْجَبَ التَّأْديبَ، فأمَر بتأْدِيبِه، فأُدِّب، فمات في الحال، فكتب إلى المعْتَضِد من المجلس: إعْلَم يا أمير المؤمنين، أطالَ الله بقاك، أنَّ خَصْمان حضرانِي، فأجْرَى أحدُهما ما أوْجَبَ عليه الأدب عندِي، فأمَرْتُ بتأدِيبه، فأُدِّب فمات، فإن رأى أمير المؤمنين، أطال الله بَقاءَك، أن يأمُر بحَمْلِ الدِّيَةِ لأحْمِلَها إلى وَرثَتِه فَعَلَ. قال فعاد الجواب إليه، بأنّا قد أمَرْنا بحمْلِ الدِّية إليك. وحملَ إليه عشرة آلاف درهم، فأحْضَرَ ورثةَ المتَوَفَّى، ودفَعها إليهم.

قلتُ: إن صحَّ هذا النَّقْلُ عن أبي خازِم، فهو رأيٌ انْفَرَد به عن أبي حنيفة، رضى الله تعالى عنه، فإنّ مذهبه أنَّ مَن عَزَّرَه الإمامُ، فدَمُه هَدْرٌ؛ لأنَّه فعَل ما فعلَ بأمْرِ الشَّرْع، وفِعْلُ المأمورِ لا يتقَيَّدُ بشَرط السّلامة، كالفَصّاد، والبَزَّاغ (٢). وهو قولُ مالك، وأحمد، رضى الله تعالى عنهما.

وقال الشافعِيُّ، رضى الله تعالى عنه: تجبُ الدِّيةُ في بيت المال؛ لأنَّه نَفْعٌ عَمَلُه يرْجِع إلى العامة، فيكون الغُرْمُ في مالِه.

وأجاب أئمَّتنا، رحمهم الله تعالى، بأنَّه لما اسْتَوْفَى حَقَّ الله بأمْره، صار كأنَّ الله تعالى أماتَه من غيرِ واسطَةٍ، فلا يجبُ الضَّمانُ.

وحدَّث مُكَرَّمُ بن بَكْرٍ (٣)، وكان من فُضَلاء الرجال وعُلمائهم، قال: كنتُ في مجلس أبي خازم، فتقدَّم إليه رجلٌ شيخٌ، ومعه غلامٌ حَدَثٌ، فادَّعَى الشيخُ عليه ألفَ دينار عَيْنا دَيْنا، فقال له: ما تقول؟ فأقَرَّ، فقال


(١) تاريخ بغداد ١١: ٦٥.
(٢) بزغ الحاجم والبيطار: شرط.
(٣) تاريخ بغداد ١١: ٦٥، ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>