للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

للشيخِ ما تشاءُ؟ قال: حَبْسُه. فقال للغلام: قد سمِعْتَ، فهل لك أن تَنْقُدَ البعضَ، ونَسْألُه إنْظارَك؟ فقال: لا. فقال الشيخُ: إن رأى القاضي أن يَحْبِسَه. قال: فتفرَّس أبو خازم فيهما ساعةً، ثم قال: تلازَما إلى أنْ أنْظُرَ بينكما في مجلسٍ آخَرَ. قال: فقلتُ لأبي خازم، وكانت بيننا أنَسَةٌ (١)، لم أخَّرَ القاضي حَبْسَه؟ فقال: وَيْحكَ، إنِّي أعْرِف في الأحوال من الخُصومةِ وَجْهَ المحِقِّ من المبْطِلِ، وقد صارتْ لي بذلك دُرْبَةٌ لا تكادُ تُخْطِئُ، وقد وقَع لي أنَّ سَماحَة هذا بالإقرار هي عن بَليَّة، وأمْرٍ يَبْعُدُ عن الحقِّ، وليس في تَلازُمِهما بُطْلانٌ، ولعلَّه ينْكَشِفُ لي مِن أمْرِهما ما أكونُ معه على وثيقةٍ مما أحْكُمُ به بينهما، أما رأيْتَ قِلَّةَ تَعاصِيهما (٢) في المناظَرة، وقِلَّةَ اختلافِهما، وسُكونَ طِباعِهما، مع عِظَمِ المالِ، وما جَرَتْ عادةُ الأحْداثِ بفَرْطِ التَّوَرُّعِ، حتّى يُقِرَّ مثلُ هذا طوعا عَجِلا بمثل هذا المال.

قال: فبَيْنا نحن كذلك نتحدَّثُ، إذ اسْتُؤْذِن على أبي خازِم لبعضِ وُجوهِ الكَرْخِ من مَياسِير التُّجَّار، فأذِنَ له، فدخَل، فسَلَّم، وسبَّب لكلامِه، فأحْسَنَ، ثم قال: قد بُلِيتُ بابْنٍ لي حَدَث يتقَايَن (٣)، ويُتْلِفُ كلَّ ما يَظْفرُ به من مالي في القِيان عندَ فلان المقَيِّنُ، فإذا مَنَعْتُه مالي احْتالَ بحِيَلٍ تضْطَرُّني إلى الْتِزام غُرْمٍ له، وإن عَدَدْتُ ذلك طال، وأقْرَبُه أنَّه قد نصب المقَيِّنَ اليومَ يُطالِبُه بألف دينار عَيْنا دَيْنا حالّا، وبَلَغَني أنَّه تقدَّم إلى القاضي ليُقرَّ له بها، فيُحْبَسَ، وأقَعُ مع أُمِّه فيما يُنَغِض عَيْشِي، إلى أن أزِنَ ذلك عنه للمُقَيِّن، فإذا قبضه المقَيِّنُ حاسَبَه به من الجُذُورِ، ولما سمعتُ بذلك، بادَرْتُ إلى القاضي لأشْرَح له الأمرَ، فيُداوِيَه بما يَشْكُرُه الله له، فجئتُ فوَجَدْتُهما على الباب


(١) الأنسة: ضدّ الوحشة.
(٢) في بعض النسخ "تقاضيهما".
(٣) يتقاين: يلهو مع القيان أو بهن، والقينة: الجارية المغنية.

<<  <  ج: ص:  >  >>