للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال الزَّجَّاج: جئتُ إلى هنا قبلَ الظهر، فامْتَنَع البَوَّابُ من الاسْتِئْذانِ على القاضي، فجلستُ إلى الآن للدُّخول عليه. وهو يقْصِد بهذا أن يُنْكِرَ القاضي على البَوّاب، فقال: نعم، هكذا عادتي، إذا قمتُ من مجلسي، دخلتُ إلى داري، اشْتَغَلْتُ ببعْض الحوائج التى تخُصُّنِي، فإنَّ القاضي لا بُدَّ له من خَلْوَةٍ وتَوَدُّعٍ. فأغْتاظ أبو إسحاق من ذلك أكْثَر، وقال مُبَكِّتا له: كنتُ بحضْرة الوزير في بعض الأيام، فأُنِشدَ بين يَدَيه:

أذَلَّ فيا حَبَّذا مِن مُذِلّ … .......................

الأبيات السّابقة، فسأل عن ذلك، فقيل: إنَّها للقاضي، أعَزَّه الله تعالى. فقال: أبو خازم: نعم، هذه أبياتٌ قُلْتُها في والدة هذا الصَبِيّ -لغلام قاعد بين يَدَيْه، في يَدِه كتابٌ من الفقه، يقرأ عليه، وهو ابنُه- فإنِّي كنتُ ضعيفَ الحال أوَّل ما عَرَفْتُها، وكنتُ مائلا إليها، ولم يُمْكِنْ إرْضاؤُها بالمالِ، فكنتُ أطَيِّبُ قَلْبَها بالبيت والبَيْتَين.

فقام أبو إسحاق، ومضى إلى أبي عمرَ، فاسْتقْبَله حُجَّابُه من باب الدار، وأدْخلوه إلى الدار، فاسْتَقْبَله القاضي من مجلسه خُطُواتٍ، وأكْرَمَه كما يُكْرَمُ مَن يكون خَصيصا بوزيرٍ، فأدَّي إليه رسالة الوزير، فقال: السَّمْع والطاعةُ، أنا أسألُ صاحبَ الحقِّ حتى يُفْرِجَ عنه، فإن فعل وإلا أدَّيْتُ الدين من مالي، إجابة لمسألة الوزير.

فأنْصرف أبو إسحاق، فأخْبَرَ الوزيرَ، فقال الوزيرُ: أيُّ الرَجُلين أفضلُ عندك يا أبا إسحاق؟ فقال: أبو عمر، في عقلِه، وسَدادِه، وحُسْنِ عِشْرتِه، ومَعْرِفته بحُقوق الوزير. يُغْرِيه بأبي خازم، فقال الوزير: دَعْ هذا عنك، أبو خازم دينٌ كلُّه، وأبو عمر عقْلٌ كلُّه.

ومن تَصانيف أبي خازم: "كتاب المحاضِر والسِّجِلّات"، و"كتاب أدب القاضي"، و"كتاب الفرائض".

وكانتْ وفاتُه، رحمه الله تعالى، في جمادَى الأولى، سنة اثنتين وتسعين ومائتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>