واشتغل بفِقْه الحنفية حتى تمَهَّر، وحُبِّبَ إليه الاشْتغالُ، فقرأْ العربية، والأصول، والمنطق، وكتبَ الخَطَّ الحسَن، وفاق الأقْران.
فلما وَلِيَ القاضي بدرُ الدين الكلسْتانِيّ مشيخَة "الصَّرْغَتْمَشِيَّة"، صَحِبَه، واخْتَصَّ به، فنفَعه لما وَلِيَ كتابةَ السِّرِّ، ونوَّه به، وناب عن أمين الدين الطَّرابُلُسِيّ ومَن بعدَه، ثم صَحِب ابنَ العَديم، وواظَبَ دَرْسَه بـ "الشَّيْخونِيَّة"، ونزل في طَلَبتِها حتى صار ثاني من يَجْلِسُ عن يمين الشيخِ في حُضورِ الدَّرْس والتَّصَرُّف.
ووَلِيَ تدريسَ "الصَّرْغَتْمَشِيَّة"، وخَطبَ بالجامع الأقْمر، ولم يزلْ يترقَّى، حتى وَلِيَ قضاء الحنفية بعدَ انْفصالِ ابن الدَّيْرِيّ بتَقْرِيرِه في "المدرسة المؤَيَّديَّة" لما فُتِحت، وخُلِعَ عليه، فسار فيه سيرةً محمودةً، وخالَق الناسَ بخُلُقٍ حسَن، مع الصِّيانة والإفضال والشّهامة، الإكْبابِ على العلم والتصوُّف.
قال القاضي علاء الدين في "تاريخه": كان مُعَظَّما عندَ الملك الظَّاهر، واجْتَمَعت به، فوجدته عالما دَيِّنا، مُنْصِفا في البحث، مُحقِّقًا للفقه والأصول، كَيِّسَ الأخْلاق.
وقال الشيخُ تقيُّ الدين ابنُ المقْرِيزيّ: حلَف مرةً أنَّه لم يَرْتَشِ في الحُكْم قَطُّ.
وذكر الحافظ جلالُ الدين السُّيوطِيّ في "طبقات النُّحاة"، وأثْنَى عليه، وقال: قرأ عليه شيخُنا الشيخ سيف الدين الحنفيُّ، وغيرُه، وكان مشهورا بإتْقانِ "المغْنِي" في الأصول، وتَحْقيقه.
وكانتْ وفاتُه ثامِنَ شوَّال، سنة خمسٍ وثمانمائة. رحمه الله تعالى.
قال الإمام اللكنوي: ذكر السخاوي في "الضوء اللامع" عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن على بن هاشم الزين أبو هريرة التفهني ثم القاهري الحنفي، ولد سنة أربع وستين وسبعمائة بـ "تفهنا" بفتح المثناة