للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأرْشَفَنا على ظَمَأ زُلالا … ألَذَّ مِن المدامةِ للنَّديمِ

يُراعِي الشمسَ أنَّى واجَهَتْنا … فَيَحْجُبُها ويَأذَنُ للنَّسِيمِ

يَرُوعُ حَصاهُ حالِيَةَ العَذارَى … فتَلْمَسُ جانِبَ العِقْدِ النَّظيمِ

وللْمَنازِيّ أيضا مقْطوعٌ غيرُ هذا في غاية الحُسْنِ، مِن قَبيلِ المطْرِب والمرَقَّص، لا بأس بإيرادِه هنا عندَ أخيه، ولم يشْتهرِ للمَنازِيّ غيرُ هذين المقْطوعَيْن، وله "ديوان شعر"، تطَلَّبَه القاضي الفاضلُ من أقاصي البلاد وأدَانِيها، فلم يظْفَرْ به (١)، والمقْطوعُ الثاني هو قولُه (٢):

إذا صَدَع الحمامُ لنا بسَجْعٍ … وأصغى نَحْوَه وَطْبٌ تَلاحَى (٣)

شَجَى قَلبَ الخَلِيّ فقيلَ غَنَّى … وبَرَّحَ بالشَّجيِّ فقيل نَاحَا

وكم للشَّوْقِ في أَحْشاءِ صَبٍّ … إذا انْدَمَلَتْ أجَدَّ له جِراحا

ضعيفُ الصَّبرِ عَنْكَ وإن تَنَاءَى … وسَكْرانُ الفُؤادِ وإن تَصَاحَى

كذاك بنو الهَوَى سَكْرَى صُحاة … كأحْداقِ الظُّبَى مَرْضَى صِحاحا

والعُذرُ في إيراد هذين المقْطوعَين بتَمامهما واضحٌ بَيِّنٌ، وهو قِلَّةُ وُجود مِثْلِهما رِقَّةً، ولَطافةً، وانْسِجامًا، وحُسْنَ سَبْكٍ، وخُصوصًا بعدَ حُصولِ المناسبة، وقولهم: الشيءُ بالشيءِ يُذْكَرُ. ويكْفِي لنا في مَدْح هذين المقْطوعين حُجَّةً شهادَةُ أبي العلاء المعَرِّيِّ، إمام الفَنِّ وقائد زِمام البلاغة، وفارسِ مَيْدان الفصاحة، وذلك فيما رُوِىَ من أنَّ المنازِيَّ قَدِمَ يومًا على أبي العلاء بـ "الشام"، فوجدَه جالسا، والناس يقرأون عليه، فأنْشَدَه أحدَ هذين المقْطوعَين، فقال له وهو لا يعْرِفُه: أنتَ أشْعَرُ من بـ "الشام.


(١) الأبيات في وفيات الأعيان ١: ١٤٣، ١٤٤، ونفح الطيب ٤: ٢٨٨، وطراز المجالس ٤، ومعاهد التنصيص ١: ٢٤٨، وتنسب الأبيات إلى حمدة أو حمدونة بنت زياد المؤدب. انظر: نفح الطيب.
(٢) ذكر هذا ابن خلكان، في وفيات الأعيان ١: ١٤٤.
(٣) الوطب: سقاء اللبن.

<<  <  ج: ص:  >  >>