وأين المقامُ من المقام؟ إذ الأئمة كالنجوم في السماء وغيرُهم كأهل الأرض، الذين لا يعرفون من النجوم إلا خيالها على وجه الماء! وقد روى الشيخ محيي الدين في "الفتوحات المكية" بسنده إلى الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه أنه كان يقول: إيَّاكم والقولَ في دين الله تعالى بالرأى، وعليكم باتباع السنَّة، فمن خرج عنها ضلّ".
وقال أيضا رحمه الله تعالى (١): "والعلماء أمناء الشارع على شريعته من بعده، فلا اعتراض عليهم فيما بيَّنوه للخلق، واستنبطوه من الشريعة، لا سيّما الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه، فلا ينبغي لأحدٍ الاعتراض عليه، لكونه من أجلِّ الأئمة، وأقدمهم تدوينا للمذهب، وأقربهم سندا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومُشاهِدًا لفعل أكابر التابعين من الأئمة، رضي الله عنهم أجمعين.
كيف يَليقُ بأمثالنا الاعتراض على إمام عظيم، أجمع الناسُ على جلالته، وعلمه، وورعه، وزهده، وعفّته، وعبادته، كثرة مراقبته لله عزَّ وجلَّ، وخوفه منه طُول عمره، ما هذا والله إلا عمَى في البصيرة …
وإيَّاك أن تخوضَ مع الخائضين في أعراض الأئمة بغير علم، فتخسر في الدنيا والآخرة، فإن الإمام رضي الله عنه كان متقيّدا بالكتاب والسنَّة، متبرّئا من الرأي، كما قدمنا لك في عِدَّة مواضع من هذا الكعاب.
ومن فتَّش مذهبَه رضي الله عنه وَجَده من أكثر المذاهب احتياطا في الدين، ومن قال غير ذلك فهو من جملة الجاهلين المتعصّبين المنكرين على أئمة الهُدى بفهمه السقيم، وحاشا ذلك الإمامَ الأعظمَ من مثل ذلك حاشاه، بل هو إمام عظيم مُتَّبَع إلى انقراض المذاهب كلها.