للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهؤلاء كلهم من أئمة هذا الشأن، ومع ذلك لم يلتفتوا إلى ما قيل في أبي حنيفة أصلا، بل على رغم هؤلاء الطاعنين يَعُدّونه في الحُفَّاظ، ويوثّقونه ويجعلونه من أئمة النقد، الذين يُرْجَع إلى اجتهادهم في التزييف والتصحيح، والجرح والتعديل، ويذكرون أقواله في هذا الباب.

فهذا الإمام أبو الحجَّاج المزِّي كل ما ذكره في ترجمة أبي حنيفة في كتابه "تهذيب الكمال" إنما أخذه من كتاب "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي، ولم يُعرّج على ما ذكر فيه من قدحه أصلا، عِلْمًا منه أن كلام من تكلَّم فيه إنما صدر عن هوى وعصبية، والإمام بريء عما رُمي به من أعدائه، فلا ينبغي أن يُذكر منه شيء.

وقد صرَّح الإمام الذهبي رحمه الله تعالى: "أن كتاب "تهذيب الكمال" ينبوع معرفة الثقات" (١)، وقد أثنى على صنيعه هذا قائلا:

"قد أحسن شيخنا أبو الحَجَّاج حيث لم يورد شيئا يلزم منه التضعيف". انتهى كما مرَّ سابقا (٢).

وعلى منواله جرى مَن أتى بعده كالذهبي، وابن كثير، والحُسيني، والبرهان الحلبى، وابن حجر، كلهم من السادة الشافعية رحمهم الله تعالى، وهلُمَّ جرًّا إلى يومنا هذا، إلا أن بعض منتحلي الحديث من أهل عصرنا - وهو الشيخ ناصر الألباني - قد شذَّ وحاد عن الطريق، فأخذ يقع في مثل هذا الإمام، ويتكلم في حفظه وإتقانه، ويُضعِّفه، ويَرْميه بسوء الحفظ، وينفي عنه الضبط والحفظ.


(١) من "الموقظة في علم مصطلح الحديث" للإمام الذهبي ص ٧٩، بتحقيق العلامة أبو غدة، الناشر مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب، الطبعة الأولى سنة ١٤٠٥.
(٢) في ص ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>