فهل قرأ الألباني في كتاب من كتب المصطلح أن كلمة "فقيه مشهور"، تدلّ على ضعف الراوي تصريحا أو تلويحا، بيِّنْه لنا مأجورا، وهل اتِّصاف راوٍ بالفقه والشُّهرة يَدُلّ على ضعفه وتركه، أم يُخرجه من الجهالة والستر إلى الشهرة والمعرفة، ويفيد تبجيله بالعلم والجلالة، ويُثْبِتُ له كل خير، فقد ثبت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"، فهل بعد الفقه خير يُرجَى له، ولفظ "الفقيه" في عرف السلف كان لا يُطلق إلا على المجتهد، فما بالُ الألباني يجعل الثناء ذمًّا؟! ويعكِسُ الأمر! والله حسيبه.
وأما قوله:"لم يزد الحافظ ابن حجر في "التقريب" على قوله: "فقيه مشهور"، فهذا كذب وبهت! ونفيُ الزيادة لا يصحُّ، كيف وقد أقرَّ الحافظ ابن حجر بإمامته في موضعين! فقد جاء في الكنى من "التقريب" ما نصه: "أبو حنيفة النعمان بن ثابت، الإمام المشهور". وقال في حرف النون، ما نصه: "النعمان بن ثابت الكوفي أبو حنيفة الإمام، يقال أصله من "فارس"، ويقال مولى بني تَيْم، فقيه مشهور، من السادسة، مات سنة خمسين - ومائة - على الصحيح، وله سبعون سنة". انتهى.
ولفظ الإمام إذا أطلق ولم يقيد في كتب الجرح التعديل من أعلى مراتب التوثيق، وهو أرفع من ثقة، أو مُتقن، أو ثَبْت، أو عَدْل، ولكن الإنسان إذا وقع في كبار الأئمة ينزل عليه المقت، ويُسلَب عقله، فيخبط كخبط عشواء.
وظهر من هذا أن الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى لم يقبل تضعيف هؤلاء في حق الإمام أبي حنيفة أصلا، وفي لفظ "الفقيه" و"الإمام" إشارة إلى ترجيح روايته على رواية غير الفقيه وغير الإمام من عامة الرواة، ولم يتفطن له الألباني أصلا - إن لم نقل: علمه كتمه! - بل عكس الأمر،