راجلا، فأراد العلامة أن ينزل من المحفة، فمنعه الأمير عن ذلك، وحمل المحفة على عاتقه، ودخل دار الإمارة، وأنزلة في قصر من قصورها، وأجلسه على الوسادة، وقبل قدميه، ثم تعود أن يحضر لديه كلّ يوم، ويرسل إليه المائدة من الأطعمة اللذيذة غداءا عشاءا، وكلّما يذهب العلامة إلى قصره يستقبله استقبالا حسنا، كاستقباله يوم قدومه إلى "مدراس"، ثم بنى الأمير مدرسة عالية له، ورتّب الوظائف لرفقائه وتلامذته، ولمن كان معه من المحصّلين، فانتقل العلامة إلى تلك المدرسة، واشتغل بالتدريس، حتى صار المرجع والمآب للمحصلين، واجتمع لديه جمع كثير من كلّ ناحية من نواحي "الهند"، واستمرّ على ذلك زمانا طويلا، ولما مات محمد علي خان المذكور، قام مقامه ابنه عمدة الأمراء، فبالغ في تعظيمه، وأضاف إلى ما كان مرسوما له من عهد أبيه من الصلات والجوائز، وكذلك ابنه تاج الأمراء علي حسين خان في عهده إلى أن خلع، وقام مقامه عظيم الدولة ابن أمير الأمراء بن محمد علي خان المذكور، وانقرضت الدولة الإسلامية في عهده من "مدراس"، فقرّرت له الدولة الأنكليزية نذورا معينة في كلّ شهر وعظيم الدولة أيضا كان لا يقصر عمّا كانت مرسومة له في العهد السالف الرواتب الشهرية ولغفيره من العلماء والطلبة.
وكان عبد العلي بحرا زاخرا من بحور العلم، إماما جوالا في المنطق والحكمة والأصول والكلام، مجتهدا في الفروع، ماهرا في التصوّف والفقه، ذا نجدة وجرأة، وسخاء وإيثار، وزهد واستغناء، يبذل الأموال الطائلة على رجال العلم والطلبة، قلّما يبقى له ولعياله إلا يسير، ولذلك كان أبناؤه يسخطون عليه.
وجملة القول فيه: إنه كان من عجائب الزمن، ومحاسن "الهند"، يرجع إليه أهل كلّ فنّ في فنّهم الذي لا يحسنون سواه، فيفيدهم، ثم ينفرد عن