ثم انتقل من عنده إلى تاجر آخر من أصدقاء جدّه ووالده وبعض أرحامه، وهو (الحاج حسن التبان)، رحمه الله الجميع، وأسكنهم فسيح الجنان، وكان تاجرا بالجملة والمفرّق في متجره في (سوق الجوخ العريض) من أسواق مدينة "حلب" المسقوفة، فتعلّم منه ما زاده معرفة بالتجارة، وعرضها للمشتري من الرجال أو النساء، وبقي عنده ثلاث سنين، ثم رأى جدّه ووالده أن يستقلّ بالتجارة، وقد قارب السادسة عشرة، فأدخلاه شريكا في العمل دون المال، مع التاجر (الحاج محمد دنيا) الذي كان تاجرا بسوق الزهر المتفرّع من "شارع (بانقوسا)، فشاركه نحو سنتين، وكان يتولى عنه البيع أكثر النهار، ويقوم بشراء ما نفد من البضاعة من متاجر الجملة من تجّار المدينة في (خان الكمرك) وغيره.
ثم لما بلغ والدي التاسعة عشرة أراد طلب العلم بالدخول في المدرسة الخسروية، التي أنشأها الوزير العثماني الصدر خسرو باشا رحمه الله، والتي سمّيت بعد ما ضعف شأنها: الثانوية الشرعية.
فلم يرض جدّي في بدء الأمر، فشفع والدي عنده بعض معارفه من الوجهاء، فقالوا لجدّي: ينبغي أن تشجّعه لشرف هذا الأمر، فسمح له، ثم إن والدى لما أراد الدخول في المدرسة الخسروية قبلوه أول الأمر، ثم رفضوه، لأن عمره ١٩ سنة، فشفّع صهره الحاج محمد سالم بيرقدار رحمه الله لدى بعض أصدقائه، وكان مدير الأوقاف في حينه، فكلّم المسؤولين في لجنة القبول، فقبلوه، وكان الوالد والشيخ عبد الوهّاب جذبة رحمهما الله يتنافسان على القبول، فمن يقبل يبقى الآخر إلى السنة التالية، فقبل والدي، وكان بينهما مودّة، وكان الشيخ عبد الوهّاب يلقّب والدي بالأصمعي، لما يراه من اشتغاله بعلم اللغة، وكان هناك رجل فاضل في الحيّ، اسمه محمود سلحدار يحرص على إقراء القرآن في المنزل، وختمه كلّ يوم، وتسمى (ربعة)، ويعطي من يفعل ذلك ليرة ذهبية، فكان والدي في أثناء دراسته في الخسروية يشارك في