حرص كلّ الحرص أن يكون اجتهاده أقرب إلى كلام الله وكلام رسوله، ما قدروا على ذلك، فلذلك نجدهم إذا وصل الواحد منهم إلى حكم من الأحكام في هذا اليوم، ثم وجد الحكم بعد أيام أو شهور أو سنين، ولاح له وجه آخر في المسئلة ووجد المسئلة على وجه آخر، يتحوّل عنها، ولا غضاضة، وإذا لم يعلمها يقول: لا أعلمها، ولا غضاضة لماذا، لأن الشريعة عنده أغلى من وجوده.
فالإمام مالك رضي الله عنه جاء إليه رجل من "العراق" بأربعين مسئلة، فقدّمها إليه، وسأله عنها، فأجابه الإمام مالك رضي الله عنه بستّ مسائل، فقال له الرجل: يا أبا عبد الله! أنا طويت الأرض ومشيت الفيافي والقفار إليك، وأنت عالم "المدينة"، أريد أن أعرف هذه المسائل كلّها، فبماذا أرجع للناس، وأقول لهم، قال: قل لهم: قال مالك: لا أدري، لا يضيره أن يقال عنه، قال: لا أدري، لأن الدين عنده أغلى من أن يخجل في سبيله.
فالتمسّك بالمذهب من حيث هو إذا كان على عصبية أو غير معرفة، فهذا من النقص في الإنسان، ولا يصح للإنسان أن يعتقد أنه إذا كان والده حنبليا ينبغي أن يكون حنبليا، أو شافعيا أن يكون شافعيا، يمكن أن يكون هكذا، وهكذا، وهكذا، وهذا من سعة الإسلام، لأن اتباع أيّ مذهب هو اتباع للكتاب والسنّة، وهذا الاجتهاد ظني، فيجوز للإنسان أن يأخذ به من قول هذا العالم، أو قول هذا العالم.
أما التعصّب والتحزّب فهذا ليس من مبدأ المسلمين، ليس من مبدأ الإسلام، وليس من مبدأ الفقه، لذلك الإمام أبو حنيفة رحمه الله خالفه أصحابه، ودوّنوا خلافاتهم بوجوده، ولا حرج، لأن هذا دين الله، ينبغي الاجتهاد في تحصيل الأصحّ منه، فلذلك هذا الذي يقال فيه تعصّب أو تحزّب أو تمسّك ببعض المذاهب، ولا يحيد الإنسان عنها، هذا من النقص النفسي، فينبغي للإنسان أن يعدل عنه، ويكون واسع الصدر، واسع الرأي،