سمعته صرخ أو تأوّه، وإنما كان يقول إذا اشتدّ الألم كثيرا جدا: يا الله! لا إله إلا الله.
وكان جَلْدا على العلم قراءة ومطالعة وتأليفا، لا يغادره القلم والقمطر في حلّه وسفره وصحته ومرضه، وقد ألّف، وأنهى بعض كتبه في أسفاره الكثيرة، كما دوّن في مقدّمات بعض كتبه، وقبل دخوله المستشفى بيوم كان وهو يعارك الآلام يضيف في كتابه الماتع "الرسول المعلّم صلى الله عليه وسلم وأساليبه في التعليم"، كما كان يكثر السؤال، وهو في المستشفى عن كتاب "لسان الميزان"، كما أنه كتب مقدّمة "لسان الميزان" قبل عشرين يوما من وفاته.
وكان قليل النوم، يستكثر ساعات نومه، مع قلتها، وإن في شبابه يواصل اليوم واليومين، كما ذكر لي عدّة مرّات.
وهاتان الصفتان الأخيرتان تدلان على صفة أخرى، هى حرصه على الوقت، فهو حريص على وقته أشدّ من حرصه على ماله، كما تدلّ الأخيرة على نهمه العلمي الشديد.
وكان لا يأمر بأمر إلا ويأتيه، ولا ينهى عن شيء إلا ويجتنبه.
وكان رحمه الله ذكيا ألمعيا، ذا حافظة قوية، وذهن متقد، مع عمل بالعلم، وعبادة، وتقوى، وصلاح، وورع، وتواضع جم لطلابه وتلاميذه عوضا عن مشايخه، وعلماء الإسلام، فلا يرى نفسه في جنبهم شيئا يذكر، ولما مدحه شاعر طيبة الأستاذ محمد ضياء الدين الصابون سدّده الله في "الأثنينية" بقوله:
أبو حنيفة في رأى وفي جدل … يسمو بهمته لأرفع الرتب
عقّب على ذلك والدي رحمه الله بقوله: وكذلك الإخوة الذين تكلّموا، وتفضلوا بهذه الكلمات عني، فقد أغدقوا، ولكنهم أوسعوا وأرهقوا، حتى دخلت مع أبي حنيفة رضي الله عنه بالمواجهة، كما قال أخي الشاعر ضياء