وفي مالك والشافعى وسائر من ذكرنا في هذا الباب: ما ذكرنا عن بعضهم في بعض.
فإن لم يفعل ولن يفعل إن هداه الله، وألهمه رُشده، فليقف عند ما شرطنا في أن لا يقبل فيمن صَحَّت عدالته، وعُلِمَتْ بالعلم عنايته، وسَلِمَ من الكبائر، ولزم المروءة والتعاون، وكان خيره غالبا وشرُّه أقلَّ عمله، فهذا لا يقبل فيه قول قائل لا برهان له به، فهذا هو الحق الذي لا يصح غيره، إن شاء الله. قال أبو العتاهية:
بَكَى شَجْوه الإسلام من عُلمائه … فما اكترثوا لما رأوا من بكائه
والذين أثنوا على سعيد بن المسيّب، وعلى سائر من ذكرنا من التابعين، وأئمة المسلمين أكثر من أن يُحصوا، وقد جمع الناس فضائلهم، وعُنُوا بسيرهم، وأخبارهم، فمن قرأ فضائل مالك، وفضائل الشافعي، وفضائل أبي حنيفة بعد فضائل الصحابة والتابعين، وعُنِىَ بها، ووَقف على كريم سيرهم وهديهم، كان ذلك له عملا زاكيا، نفعنا الله بحب جميعهم. قال الثوري رحمه الله: عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة، ومن لم يحفظ من أخبارهم إلا ما بدر من بعضهم في بعض على الحسد والهفوات والغضب والشهوات، دون أن يُعني بفضائلهم، حُرم التوفيق، ودخل في الغيبة، وحاد عن الطريق، جعلنا الله وإياك ممن يسمع القول، فيتبع أحسنه.
وقد افتتحنا هذا البابَ بقوله صلى الله عليه وسلم:"دَبَّ إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء"، وفي ذلك كفاية … ومن صحبه التوفيق أغناه من الحكمة يسيُرها، ومن المواعظ قليلُها، إذا فَهِم، واستعمل ما علم، وما توفيقى إلا بالله، وهو حسبى ونعم الوكيل.