فقد رأينا البغيَ والحسدَ قديمًا، ألا ترى إلى قول الكوفي في سعد بن أبي وقاص: إنه لا يعدل في الرعية، ولا يغزو في السَّرِيَّة، ولا يَقْسم بالسَّوِيَّة. وسعدٌ بَدْرِيّ، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنَّة، وأحد الستَّة الذين جعل عمر بن الخطاب الشورى فيهم، وقال: توفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ.
وروى أن موسى صلى الله عليه وسلم قال: يا ربِّ ادفع عني ألْسُنَ بني إسرائيل، فأوحى الله إليه يا موسى لم أقطعها عن نفسي، فكيف أقطعها عنك.
قال أبو عمر: والله لقد تجاوز الناس الحدّ في الغيبة والذّمِّ، فلم يقنعوا بذم العامّة دون الخاصة، ولا بذم الجهَّال دون العلماء، وهذا كله يحمل عليه الجهل والحسد، قيل لابن المبارك: فلان يتكلم في أبي حنيفة، فأنشد بيتَ ابن الرُّقَيَّات:
حسدوك أن رأوك فضَّلك الله بما فُضِّلت به النُّجَباءُ
وقيل لأبي عاصم النبيل: فلان يتكلم في أبى حنيفة، فقال: هو كما قال نُصَيْبُ:
حسدوا الفتى إذا لم ينال سعيه … فالقوم أعداء له وخصوم
فمن أراد أن يقبل قول العلماء الثقات الأئمة الأثبات بعضهم في بعض، فليقبل قول من ذكرنا قوله من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بعضهم في بعض، فإن فعل ذلك فقد ضلّ ضلالا بعيدا، وخَسِرَ خسرانا مبينا. وكذلك إن قَبِل في سعيد بن المسيّب قول عكرمة، وفي الشعبى والنخعي وأهل "الحجاز"، وأهل "مكة"، وأهل "الكوفة"، وأهل "الشام" على الجملة،