يلزم المقولَ فيه ما قاله القائل فيه، وقد حمل بعضهم على بعض بالسيف تأويلا واجتهادا، لا يلزم تقليدهم في شيء منه دون برهان، ولا حجّة توجبه، ونحن نورد في هذا الباب من قول الأئمة الجلّة الثقات السادة بعضهم في بعض، مما يجب أن لا يُلتفت فيهم إليه، ولا يعرّج عليه: ما يوضح لك صحة ما ذكرنا، وبالله التوفيق … ، ثم سرد ابن عبد البر من قول بعضهم في بعض ممن لا يلتفت إليه أمثلة كثيرة، ثم قال:
وقد كان بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلَّةِ العلماء عند الغصب كلام أكثر من هذا، ولكن أهل الفهم والعلم والميز لا يلتفتون إلى ذلك، لأنهم بشر يغضبون ويرضون، والقول في الرضا غير القول في الغضب، ولقد أحسن القائل:
لا يُعرف الحِلْمُ إلا ساعة الغضب
وما مَثَل من تكلَّم في مالك والشافعى ونظرائهما من الأئمة، إلا كما قال الأعشى:
كناطح صخرة يوما ليوهنها … فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
أو كما قال الحسين بن حُميد:
يا ناطحَ الجَبَل العالي ليَكْلِمه … أشفِق على الرأس لا تُشْفِق على الجبل
ولقد أحسن أبو العتاهية، حيث يقول:
ومن ذا الذي ينجو من الناس سالما .. وللناس قالٌ بالظنون وقيل
وهذا خير من قول القائل:
= أن ينقطع منه، حتى يري الناس أنه ليس به حاجة إليه، ولا يُذاكِر من هو مثله، ويزهو على من هو دونه، فهلك الناس". أسندكل ذلك ابن عبد البر رحمه الله تعالى في أول "باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض".