وقرأ القرآن، والفقه، والعربية، وسائر العلوم في بلده، ثم سافر إلى الحرمين الشريفين، وسمع الحديث بها عن الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر المكي، وعن غيره من المحدّثين.
وتردّد إلى "الحجاز" غير مرّة، وصحب المشايخ مدّة طويلة، حتى رسخ فيه مذهب المحدّثين، فرجع إلى الأهل والوطن، وخالفهم في مسألة السماع والتواجد ووحدة الوجود والأعراس وأكثر رسوم المشايخ الصوفية، ونصر السنّة المحضة، والطريقة السلفية، واحتجّ ببراهين ومقدّمات، فخالفه والده وأعمامه، فأوذي في ذات الله من المخالفين، وأخيف في نصر السنّة، حتى أنهم أخرجوه من الأهل والوطن.
ولكنّه لما قيّض الله له صدارة "الهند" طلبه أكبر شاه التيموري سلطان "الهند"، وولّاه الصدارة في أرض "الهند" بعرضها وطولها سنة إحدى وسبعين وتسعمائة، فاستقلّ بها زمانا، وأعطي من الأرض والأموال ما لم يعط أحد قبله من الصدور، وحصل له القبول التامّ عند الخاص والعام، وكان أكبر شاه يذهب إلى بيته لاستماع الحديث الشريف، ويضع نعليه قدّامه بيده، ويتلقّى إشاراته بالقبول.
قال البدايوني: إنه استمرّ على ذلك سنين، ثم دخل في الحضرة ابنا المبارك فدسَّا في قلب أكبر شاه ما رغب به عن أهل الصلاح والمشايخ، نزله عن منزلته، وصار يتدبّر حيلة لعزله، إذ حدّث أمر عظيم بمدينة "متهرا"، وهو أن القاضي عبد الرحيم كان يريد أن يبني مسجدا فيها، فغصب عمارته أحد البراهمة، وجعلها هيكلا، فلمّا تعرّض له القاضي المذكور سبّ النبي صلى الله عليه وسلم على رؤوس الأشهاد، وهتك حرمة الإسلام، فرفع