للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان أبو الحسن مع غَزارة علمه، كثرة رواياتِه، عظيمَ العبادة، كثيرَ الصَّلاة والصَّوم، صَبُورًا على الفقر والحاجة، عفيفًا عمَّا في أيدي الناس.

قال: وحدَّثني أبو القاسم علي بن محمد بن عَلان الواسِطِيُّ، قال: لما أصاب أبا الحسن الكَرْخِيَّ الفالِجُ في آخر عُمْرِه، حضَرْتُه وحضرَ أصْحابُه؛ أبو بكر الدَّامَغاني، وأبو عليِّ الشَّاشِيّ، وأبو عبد اللَّه البَصرِيّ، فقالوا: هذا مَرَضٌ يحْتاجُ إلى نفقةٍ وعلاج، وهو مُقِلٌّ، ولا يجب أن نَبْذُله للناس، فيجبُ أن نكتُبَ إلى سيف الدولة، ونَطْلُبَ منه ما نُنْفِقُ عليه، ففَعلوا ذلك، وأحَسَّ أبو الحسن بما هم فيه، فسأل عن ذلك، فأُخْبِرَ به، فبَكَى، وقال: اللّهم لا تَجْعَلْ رِزْقي إلا مِن حيثُ عَوَّدْتَني.

فمات قبلَ أن يَحْمِلَ سيفُ الدولة له شيئًا، ثم وردَ كتابُ سيف الدولة ومعه عشرة آلاف درهم، ووعَد أن يَمُدَّ بأمْثالِها، فتصدَّقوا بها.

قال أبو عبد اللَّه (١) الحسن بن علي بن سَلَمة: أنْشَدْتُ أبا الحسن الكَرْخِيَّ، رحمه اللَّه تعالى:

ما إنْ ذكرتُكِ في قومٍ أُحَدِّثُهم … إلا وَجَدْتُ فُتورًا بين أحْشائي

فأنْشَدني لنفسه، يُريد تضْمِينَ هذا البيت:

كم لَوْعَةٍ في الحَشا أبْقَتْ به سَقَما … خَوْفًا لهَجْرِكِ أو خوفا من النَّائي

لا تَهْجُرَنِيّ فإنِّي لستُ ذا جَلَدٍ … ولا اصْطِبارٍ على هَجْرِ الأخِلَّاء

اللَّه يعلمُ ما حُمِّلْتُ من سَقَمٍ … وما تَضَمَّنْتُه مِن شِدَّة الدَّاء

لو أنَّ أعْضاء صَبٍّ خاطبتْ بَشَرًا … لخاطَبَتْكِ بوَجْدٍ كلُّ أعْضائي (٢)

فارْعَى حُقوقَ فتًى لا يَبْتَغي شَطَطا … إلا السَّلام بإيحاءٍ وإيماءِ

هذا على وَزن بيتٍ كنتُ مُنْشِدَهُ … عارٍ إذا كان مِن زَحْفٍ وإقْواءِ (٣)


(١) تاريخ بغداد ١٠: ٣٥٤.
(٢) في تاريخ بغداد "يوجدي".
(٣) في تاريخ بغداد "من لحن وإقواء".

<<  <  ج: ص:  >  >>