وكان عالما كبيرا، بارعا في الفقه، والأصول والتصوف، كان يحفظ "الهداية" في الفقه، و"البزدوي" في الأصول، و"قوت القلوب" للمكّي، و"الإحياء" للغزالي في السلوك والتصوّف، وكان من العشرة المجازين للإرشاد الذين استخلفهم الشيخ نظام الدين سنة أربع وعشرين وسبعمائة، كما في "سير الأولياء".
وتوفي لثمان خلون من ذي القعدة سنة ستّ وثلاثين وسبعمائة بـ "كُجْرات"، فدفن بها، كما في "البحر الزخّار"(١).
ومنهم: الشيخ الفاضل عبد الله بن علي بن عثمان بن إبراهيم بن مصطفى بن سليمان، جمال الدين المارِدِيِنِيّ، المعروف بابن التُّرْكُمانِيّ من أهلِ المائة الثامنة. ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: ولد سنة تسعَ عشرة وسبعمائة. واشْتغل، ومهَر، وحَفِظَ "الهداية" في الفقه، وكمَّل "شَرْح والِده" عليها، وكان يسرُد منها في دَرْسه حفظا. واسْتَقَرَّ في القضاء بـ "مصرَ" استقْلالا بعدَ مَوتِ والدِه، فباشَر بصِيانةٍ وإحسان، مع المعرفة بالأحكام، والتَّرَفُّع على أهل الدولة، والتَّواضُع للفقراء، وكانتْ ولايته في شهر المحرم، سنة خمسين، بعناية الأمير شَيْخون، في سَلْطَنَة الناصر حسن الأُولى، وسكن "المدرسة الصَّالحِيَّة" بعِياله، واستمرَّ فيها، وأقام قاضيا نحو عشرين سنة مُتواليةً، لم يدخُلْ عليه فيها نَقْصٌ، ولا نُسب فيها إلى ما يُعابُ به. وكان يعْتَنِي بالطلبة والنُّجَباء من الحنفية، فيُفْضِلُ عليهم، ويُنْعِشُ حالَ فقيرهم، ويُجِلُّ كبيرهم، ويتجاوَزُ عن مُسيئِهم، ويجمعُ الجميع على طعامه غالبا، ويسْعى لهم في جميع ما يَعْرِض مما يتعلَّق به وبغيره من الأكابر، وربما رَكِب في ذلك بنفسه إلى مَن هو مثلُه، وإلى مَن هو دُونه، حتى ركب مَرَّة إلى صَيْرَفِيِّ بعضِ الأمراء في قضاء حاجة فقيه من الطلبة. ولقد بالَغَ الشيخ تقيّ الدين المقْرِيزِيّ في إطْرائه، والثَّناء عليه، حتى