فاضلا، أدْرك كثيرًا من مشايخ العرب والعجم، وكان في أوَّل أمْره شافعيًّا، ثم تحوَّل حنفيًّا، وأكْثَر الاشتغال، حتى درَّس، وأفاد. رحمهم الله تعالى (١).
ومنهم: أبو مجاهد فخر الدين محمد بن تغلق شاه التركي الدهلوي السلطان المشهور. ولد، ونشأ بأرض "الهند"، وكان أبوه تركيا من مماليك صاحب "الهند"، فتنقّل إلى أن ولي السلطنة، واتسعت مملكته جدا. ولابن بطوطة قصيدة في مدح السلطان، منها قوله:
إليك أمير المؤمنين المبجّلا … أتينا نجد السير نحوك في الفلا
فجئت محلا من علائك زائرا … ومغناك كهف للزيارة آهلا
فلو أن فوق الشمس للمجد رتبة … لكنت لأعلاها إماما مؤهلا
فأنت الإمام الماجد الأوحد الذي … سجاياه حتما أن يقول ويفعلا
ولي حاجة من فيض جودك أرتجي … قضاها وقصدي عند مجدك سهلا
أأذكرها أم قد كفاني حياؤكم … فإن حياكم ذكره كان أجملا
فعجل لمن وافى محلك زائرا … قضا دينه إن الغريم تعجلا
قال القاضي محمد بن علي الشوكاني في "البدر الطالع": إنه كان جوَّادا متواضعا عالما بفقه الحنفية، مشاركا في الحكمة، ومن محبته للعلماء أنه أهدى له شخص أعجمي "الشفاء" لابن سينا بخطّ ياقوت الحَمَوي في مجلّد واحد، فأجازه بمال عظيم، يقال: إن قدره مائتا ألف مثقال أو أكثر، وورد كتابه على الناصر صاحب "مصر" في مقلمة ذهب زنتها ألفا مثقال مرصّعة بجوهر قوم بثلاثة آلاف دينار، جهز إليه مرة مركبا، قد ملئ من التفاصيل الهندية الفاخرة الفاقة وأربعة عشر حقا، قد ملئت من فصوص الماس وغير ذلك، فاتفق أن رسله اختلفوا، فقتل بعضهم بعضا، فنمي ذلك إلى صاحب "اليمن"، فقتل
(١) راجع: الطَّبَقات السَنِيَّة ٤: ٤٢٤، وترجمته في الضوء اللامع ٥: ١١٧، ١١٨. وانظر المصادر السابقة.