ثمَّ أعطاه إحدى الْمدَارِس الثمان، ودرس فِيهَا مُدَّة من الزَّمَان، ثمَّ أعطاه مدرسة جده السُّلْطَان مرادخان بـ "بروسه"، وَعين لَهُ كل يَوْم سِتِّينَ درهما، كَانَ رَحمَه الله فَاضلا، لَا يجارى، وعالما لَا يُبَارى.
وَكَانَ يُطِيل لِسَانه على أقرانه، وعَلى السّلف أيضًا، ولكثرة فضائله حسده أقرانه، ولإطالة لِسَانه أبغضه الْعلمَاء الْعِظَام، وَلِهَذَا نسبوه إلى الإلحاد والزندقة، حَتَّى فتشوه، وَلم يحكم الْمولى أفضل الدين بإباحة دَمه، وَتوقف فِيهِ، وَحكم الْمولى خطيب زَاده بإباحة دمه، فَقَتَلُوه، وَقَالَ المؤرخ فِي تَارِيخه: وَلَقَد مات شَهِيدا.
يحْكى أن الْمولى خطيب زَاده لما حكم بقتْله، وأتى منزله، قَالَ: خلصت كتابي من يَده، وَكَانَ يسمع أنه يقْصد أن يزيف كِتَابه، وَلَقَد سمعنَا مِمَّن حضر قَتله أنه كَانَ يُكَرر كلمة الشَّهَادَة، ونزه عقيدته عَمَّا نسبوها إليه من الإلحاد، حَتَّى قيل: إنه تكلم بِكَلِمَة الشَّهَادَة بعد مَا سقط رَأسه على الأرض.
وَكَانَ عمي رَحمَه الله يَقُول: كنت أقْرَأ عَلَيْهِ وَهُوَ يروي "صَحِيح البُخَارِيّ"، وَكَانَ عِنْد فتح الْكتاب يَقُول: كنت أَقرَأ عَلَيْهِ، وَهُوَ يروي "صَحِيح البُخَارِيّ" وَكَانَ عِنْد فتح الْكتاب ينزل دموع عَيْنَيْهِ على الْكتاب، وَكَانَ يبكي إلى أن يخْتم الْكتاب.
قَالَ وَحكى يَوْمًا وَهُوَ يبكي: إن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ضرب فِي بعض الْغَزَوَات بِسَهْم، فَبَقيَ نصله فِي بدنه، فجزع عِنْد قصد إخراجه، فصبروا، حَتَّى اشْتغل بِالصَّلَاةِ فأخرجوه، وَلم يحس بذلك، قَالَ عمي: وَقد حكى الْمولى لطفي هَذِه الْحِكَايَة، ثمَّ قَالَ وَهُوَ يبكي: هَذِه هِيَ الصَّلَاة حَقِيقَة، وأما صَلَاتنَا فَهِيَ قيام وَانْحِنَاء، فَلَا فَائِدَة فِيهَا.
قَالَ عمي رَحمَه الله تَعَالَى: أحْلِف بِالله تَعَالَى أني سَمِعت هَذِه الْحِكَايَة مِنْهُ على هَذَا الْوَجْه، قَالَ: وَحين أخذوا الْمولى الْمَذْكُور شهد شُرَكَاء الدَّرْس