قال الكرماني: وقد وقع ما قال الشيخ بعد بضع سنين من يد محمد شاه تغلق، فإنه قتل من السادة والأشراف مالا يحصر بحدّ وعدّ، ثم أخرج الناس من "دهلي" إلى "دولت آباد"، فلم بيق في "دهلى" أحد، ومضت على ذلك شهور وأعوام، وكان ذلك بعد وفاة الشيخ.
قال الكرماني في "سير الأولياء": إنه كان حنفيا، ولكنّه كان يجوّز القراءةَ بالفاتحة خلف الإمام في الصلاة، وكان يقرؤها في نفسه، فعرض عليه بعض أصحابه ما روى: إني وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام في فيه جمرة، فقال: وقد صحّ عنه صلى الله عليه وسلم: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، فالحديث الأول مشعر بالوعيد، والثاني ببطلان الصلاة لمن لم يقرأ بالفاتحة، وإني أحبّ أن أتحمّل الوعيد، ولا أستطيع أن تبطل صلواتي، على أنه قد صحّ في الأصول أن الأخذ بالأحوط والخروج من الخلاف أولى.
وكان رحمه الله يجوّز صلاة الجنازة على الغائب، ويستدلّ عليه بالحديث المشهور، وكان يقول: إذا سمعتم بالحديث، ولم تجدوه في الصحاح، فلا تقولوا: إنه مردود، بل قولوا: إنا ما وجدناه في الكتب المتلقّاة بالقبول.
وكان يستمع الغناء بالدفّ، وإذا أراد أن يستمع يقلّ في طعام الإفطار قبل ذلك بيومين، وكان إفطاره بمقدار قليل لا يستطيع الرجل أن يعتاده، وكان مغنّيه ذا دين، وكان تواجده أن يقوم على سجادته، ويبكى بكاء شديدا، تبلّ دموعه المناديل، وكان يحبّ أن يخفى على الناس بكاءه، وقلّما رآه الناس باكيا، وانما يعرفون ذلك ببل المناديل، فكان يمسحها بيده ومنديله، ولم يسمع منه في ذلك الحال صوت التأوّه قطّ.
وكان يحترز عن المزامير، ويمنع أصحابه عن ذلك، ويقول: إنها حرام في الشريعة المطهّرة.
وكان يقول: إن السماع على أربعة أقسام: حلال وحرام ومكروه ومباح، فإن كان المستمع له ميلان إلى الحقيقة فله مباح، وإن كان له ميلان