للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقدم إلى "دمشق" في سنة تسع وثلاثين وألف، ودرس بها، وأفاد، ووقع بينه وبين شيخه النجم الغزي في مسئلة، فسافر إلى "الروم" بحرًا، فأسرته الفرنج، ثم خلص بعد مدة قليلة، ووصل إلى دار الخلافة، فأقام بها، وحسن حاله، وحصل جهات وعلوفات، وتزوج، وجاءه أولاد.

ثم تحنّف، وصار إماما بجامع السلطان أحمد، ولازم على عادة موالي "الروم"، ثم قدم إلى "دمشق" حاجا في سنة ثلاث وستين وألف، وعاد إلى "الروم"، فصار واعظًا بجامع السلطان بن أبي الفتح محمد خان، واشتهر بحسن الوعظ ولطافة التعبير، فانكبت عليه الناس، ولزمه جماعة قاضى زاده الرومي، وعظم خطبه، فبالغ في النهي عن أشياء، كان غنيا عنها، فكاد أن يوقع فتنة، فعزل عن وظيفة الوعظ، ونفى إلى جزيرة "قبرص"، ثم أمر بالمسير إلى "دمشق"، فوردها في سنة سبع وستين، وأقام بها، ولزم الدرس تحت قبة النسر بالجامع الأموي بين العشاءين وبعد الظهر، ونشر علم القراءات والمواعظ، وأقرأ "شرح الهمزية"، ورغب الناس في حضور دروسه من علماء وعوام لحسن تقريره وعذوبة تفهيمه ولطافة مناسباته.

وسمعت والدي رحمه الله تعالى يقول: إن درسه كان يليق أن يرحل إليه من بلد إلى بلد، وإنه قرر أشياء، لم يسمعها من أهالي "دمشق" أحد، فيه يقول الأمير المنجكي:

إن سمع العقول يصغى لقول … الإسطواني والقلوب لديه

جمع الفضل والمكارم حتى … كل حسني تعزي وتنمي إليه

رجل جاء في الزمان أخيرًا … يحسد الأول الأخير عليه

وكان بـ"دمشق" بعض مناكر، فتقيد بإزالتها أو تخفيفها، ومن جملتها: لبس السواد خلف الميت، ورفع الصوت بالولولة، وأعهد يومًا في جنازة بعض أقاربه وأقاربي أمر جماعته بحمل عصى تحت أصوافهم، فلما خرجت الجنازة من باب السلسلة، وباشر النساء الولولة، أشار إلى جماعته بضربهن،

<<  <  ج: ص:  >  >>