وفاق من عداه في لطف النثر، وعذوبة اللفظ، وجودة المعنى، وغرابة المقصد، وانسجام التراكيب، وأما خطه فإليه النهاية في الحسن والضبط، وكتب الكثير بخطه، بحيث لو حسب عمره والذي كتبه لبلغ كل يوم كراسا بالكامل، هذا مع كثرة الأسفار، وتزاحم الأشغال، والارتباط للقضاء والفتوى والتأليف، وألف المؤلّفات العجيبة السائغة، منها: حواشيه على التفسير، و"الهداية"، و"الدرر والغرر"، و"منظومته" في الفقه، التى سارت مسير الشمس، سماها "عمدة الحكام"، وقد احتوت على غرائب المسائل، واعتنى بشرحها أجلاء الفضلاء، منهم: الإمام يوسف بن أبي الفتح إمام السلطان، والشيخ إسماعيل النابلسي، وابنه شيخنا الشيخ عبد الغني.
وله "شرح شواهد الكشاف"، سماه "تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات"، و"شرح منظومة القاضي محب الدين بن الشحنة" في المعاني والبيان. وكان سنه إذ ذاك ست عشرة سنة، وله الرحلة المصرية والرومية والتبريزية، و"السهم المعترض والرد على من فجر"، وله عشرون رسالة مجموعة في دفتر، وترسلاته كثيرة جدًّا، جمع والدي منها حصة، فجاءت في مقدار أربعين كراسًا.
وبالجملة: فهو أكثر أبناء عصره إحاطة، وأجلّهم فائدة، وقد ولد بـ"حماة"، ونشأ بها، وقرأ على والده إلى أن تنبل، وكان أبوه قد بلغت به السن إلى العجز عن الإقراء، فبعثه إلى الشيخ العارف بالله تعالى أبي الوفا ابن ولي الله الشيخ علوان، وكتب إليه معه هذه الأبيات من نظمه، وكان هو أيضًا ممن أخذ عن الشيخ أبي الوفا:
لما عليّ اعتدى دهري وأحرمني … تقبيل أعتابكم والرشف من ديم
والغرف من أبحر العرفان مع حكم … جاءت كدر مع العقيان منتظم