قال شيخنا المحدّث الناقد الفقيه البارع العلامة عبد الرشيد النعماني رحمه الله تعالى: هذا لا يصح، إلا في عقل ابن أبي حاتم المسكين، أليس من المستحيل في مجاري العادة انقطاع أزرار الثياب زرا زرا من نفخ الأوداج في المناظرة مع التلميذ هذا! قد تواتر عن الشافعي رحمه الله تعالى بألفاظ مختلفة أنه قال: ما رأيتُ أحدا سئل عن مسئلة فيها نظر إلا رأيتُ الكراهية في وجهه، إلا محمد بن الحسن. كما ينقل الشيخ عبد الحي بن العماد الحنبلي في "شذرات الذهب" ١: ٣٢٤.
وابن أبي حاتم له عصبية زائدة على أبي حنيفة وأصحابه، كما لا يخفى على من طالع كتابه في الجرح والتعديل، وكتاب مناقب الشافعي، وقد بلغ به الحال في التعصّب إلى حد يقضى منه العجب، حيث يتحمل مدح أبي حنيفة قدحا، فقد قال في "مناقب الشافعي":
حدّثنا أبي حدّثنا ابن أبي سريج، قال: سمعتُ الشافعي يقول: سمعتُ مالكا، وقيل له: أتعرف أبا حنيفة؟ فقال: نعم، ما ظنكم برجل لو قال: هذه السارية من ذهب لقام دونها، حتى يجعلها من ذهب، وهى من خشب أو حجارة. قال أبو محمد يعني أنه كان يثبت على الخطأ، ويحتج دونه، ولا يرجع إلى الصَّواب إذا بان له.
فهذا تفسير من ابن أبي حاتم بعد تفسير المتن، كلّ أحد يعلم أن هذا القول من مالك في حق أبي حنيفة أقرب إلى المدح منه إلى الذم وأظهر، وما ذا يقول المسكين ابن أبي حاتم في قول هارون بن سعيد: لو أن الشافعي ناظر على أن هذا العمود الذي من حجارة من خشب لأثبت ذلك، لقدرته على المناظرة. رواه الساجي عن عبد الرحمن بن أحمد بن الحجَّاج، عن هارون بن سعيد بن الهيثم الأيلي. هذا كما في "الانتقاء" لابن عبد البر.