مثل هذا الرأي في "حسن التقاضي"، و"لمحات النظر" و "التأنيب"، وغيرها وبهذا الرأي الذى كان يدين به محمد بن شجاع يعده النقلة من الواقفة، بل يكفرونه، فسبحان قاسم العقول.
والقول بأن القرآن كلام الله، والسكوت عما زاد على ذلك، مما لم يرد في الكتاب والسنة، هو الصواب القاطع للنزاع المهديء للعقول الثائرة، كما هو ظاهر. وحاشا أن يريد هو ولا أحد من أصحاب أبي حنيفة أن القرآن باعتبار وجوده العلمي في علم الله حادث، أو أن يريد أحد منهم قدم ما بأيدى البشر من القرآن في الأذهان والألسنة والصحف، ليكونوا كفّارا في الحالتين، لأن القول بحدوث القديم أو بقدم الحادث من أشنع أنواع الكفر عند من يعقل ما يقال له.
وأما القول بما قال به محمد بن شجاع نقلا عن أئمتنا من الوقوف، حيث وقف الكتاب والسنَّة من غير زيادة شيء على قولنا:(إن القرآن كلام الله)، كما توارثه أئمتنا، فهو محض الصواب، ولب الحكمة، فلو كان أهل الشأن أخذوا بذلك لفترت الفتنة، ورجع الجميع إلى رشدهم، وانصرفوا إلى ما فيه خيرهم، لكن وقع ما كان يتوقعه الإمام الأعظم، ووصل الأمر إلى حدّ إكفار من يقول بهذا الصواب، وتخليد ذلك في الكتب مدى الأحقاب. وهذا هو الذي بسببه كان يرمي محمد بن شجاع بالميل إلى الاعتزال، وحاشاه من ذلك، بل كان من أبعد خلق الله عن الانحياز لإحدى هاتين الطائفتين: المعتزلة، والحشوية، بل كان حنيفا، لا يميل إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، بل كان يقسو بعض قسوة على أهل المغالاة، فجازوه جزاء سنمار، والله سبحانه يكافئه على صدق جهاده في سبيل الدين، وقمع المبتدعين مكأفاة المتقين.