في الغناء، ولم يكن عندهم جمود أهل "العراق" في ذلك، بل بعض شيوخهم الذين يقدّمون "العراق" كانوا يستصحبون من يغنّيهم، كما فعل إبراهيم بن سعد الزهري، وعبد الملك بن الماجشون، ثم كيف يعدّ صحبة مثل إبراهيم الموصلى المغنّي مثلا وسيلة تعيير في "العراق"، مع إتقانه كثيرا من العلوم، والغناء نفسه فن، يختلف حكمه باختلاف الغايات، ولعل لهجة ابن شجاع أتت من جهة أن الشافعي سبق أن آى شيخه الحسن بن زياد، بقوله: ليس هناك، وبتدبير أن يكلّمه بعض تلاميذه الذين انفضّوا من حوله، وانحازوا إليه كما سبق، لكن بالنظر إلى أن محمد بن شُجاع رجع عن ذلك، وأقرّ بعلم الشافعي، نقول: عفا الله عما سلف، ونسكت. على أن موسى بن الأشيب توفي سنة ٣٣٩ هـ، ولم يدرك زمن ابن شجاع، وأبو القاسم الحجازى غير موثق.
وأما قوله:(وكان يضع أحاديث في التشبيه، وينسبها إلى أصحاب الحديث)، فداهية دهياء، وأشنع افتراء على مثل ذلك الإمام الجليل المشتهر بإمامته، وأمانته، وسعة روايته، ودقة درايته، وكثرة عبادته، وحسن خاتمته، حتى لم يجترئ أمثال ابن أبي حاتم والعقيلي وابن حبَّيان على أن يتكلّموا فيه ببنت شفة.
وابن عدي تراه يرمي هذا الرمي الفظيع بدون أيّ دليل، وليس ابن شجاع مصدر ذيوع تلك الرواية الفاضحة بين النقلة، بل كانت متناقلة بين جهلة الرواة في عصره، وقبله، وابن قتيبه يشكو مرّ الشكوى من حملهم تلك الفاضحة، ويقول في "الاختلاف في اللفظ"(ص ٤٥) (ولما رأى قوم من الناس إفراط هؤلاء في النفي عارضوهم بالإفراط في التمثيل، فقالوا: بالتشبيه المحض وبالأقطار والحدود، وحملوا الألفاظ الجائية في الحديث على ظاهرها، وقالوا: بالكيفية فيها، وحملوا من مستشنع الحديث عرق الخيل وحديث