وكان للشيخ نصيب وافر مما لأرباب الأحوال من الكشف والكرامات، وكان تجرد أولا بالكلية، فقال له أهل الطريق: ارجع، فإن للناس حاجة بعلمك، وكان يأتيه الوارد كما يأتي الصوفية، لكنه يقلع عنه بسرعة لأجل مخالطته بالناس، أخبر عنه الإمام السخاوي أن بعض الصوفية من أصحابه كان عنده في بيته الذي بـ "مصر"، فأتاه الوارد، فقام مسرعًا، قال الحاكي: وأخذ بيدي يجرني وهو يعدو في مشيه، وأنا أجري معه إلى أن وقف علي المراكب، فقال: ما لكم واقفين ههنا؟! فقالوا: أوقفنا الريح وما هو باختيارنا، فقال: هو الذي يسيركم وهو الذي يوقفكم، قالوا: نعم، قال الحاكي: وأقلع عنه الوارد، فقال لعلي: شققت عليك، قال فقلت: أي والله وانقطع قلبي من الجري، فقال: لا تأخذ عَليَّ، فإني لم أشعر بشيء مما فعلته. ومما يحكى من ذلك أنه لما دخل "مكة" سأل العارف عبد الكريم الحضرمي أن يريه القطب، فوعده لوقت معين، ثم دخل معه فيه إلى المطاف، وقال له: ارفع رأسك، فرفع نوجد شيخًا على كرسي بين السماء والأرض، فتأمله، فإذا هو الشيخ أبي العباس أحمد بن محمد بن عبد الغني السرسي الحنفي، العارف بالله تعالى، فدهش، وصار يقول من دهشته بأعلى صوته: هذا صاحبنا! ولم نعرف مقامه، فاختفى عنه، ولما رجع الكمال إلى "مصر" بادر للسلام عليه، وقبَّل قدميه، فقال له: اكتم ما رأيته، وكان كثير الانجماع عن التردّد لبني الدنيا، حتى الظاهر جقمق مع مزيد اختصاصه به، ولكنه كان يراسله هو ومن دونه، فيما يسأل فيه بل طلع إليه بعد إحسانه إليه عند توجّهه للحج، فوادعه؛ ومحاسنه كثيرة، وقد حج غير مرة، وجاور بالحرمين مدة، وشرب ماء زمزم -كما قاله في شرحه للهداية- للاستقامة والوفاة على حقيقة الإسلام معها. ونشر في مدة مجاورته علمًا جمّا -رحمه الله ورضي عنه-.