وكان إمامًا، علامة، عارفًا بأصول الديانات، والتفسير والفقه وأصوله والفرائض والحساب والتصوف والنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والمنطق والجدل والأدب والموسيقى وجل علم النقل والعقل، عالم أهل الأرض، ومحقق أولي العصر، حجة، أعجوبة، ذا حجج باهرة واختيارات كثيرة وترجيحات قوية، بل كان يصرح بأنه لولا العوارض البدنية من طول الضعف والأسقام وتراكمهما في طول المدد لبلغ رتبة الاجتهاد، فكم استخرج من مجمع البحرين دررًا! وكم ضم إليها مما استخرجه من الكنز شذرة إلى أخرى! وكم وصل طالبًا للهداية بإيضاحها وتبيينها! وكم أنار لمنغمر في ظلمات الجهل بمنار الأصول وبراهينها! فلا تدرك دقة ونظره، ومن كلماته: إذا صدقت المحبة ارتفعت شروط التكليف.
هذا مع شدة تواضعه مع الفقراء حتى إنه جاء مرة لمجلس العلاء البخاري وهو غاص بهم، فجلس في جانب الحلقة، فقام إليه العلاء، وقال له: تعال إلى جانبي، فليس هذا بتواضع، فإنك تعلم أن كلا منهم يعتقد تقدمك وإجلالك.
وقال المقريزي في "عقوده": إنه أنظر من رأيناه من أهل الفنون ومن أجمعهم للعلوم، وأحسنهم كلامًا في الأشياء الدقيقة، وأجلدهم على ذلك، مع الغاية في الإتقان والرجوع إلى الحق في المباحث، ولو على لسان آحاد الطلبة؛ كل ذلك مع ملاحة الترسل وحسن اللقاء والسمت والبشر وحسن الهيئة ونور الشيبة وكثرة الفكاهة والتودد والإنضاف وتعظيم العلماء، وعدم الخوض فيما يخالف ذلك، وعلو الهمة وطيب الحديث ورقة الصوت وطراوة النغمة جدًّا بحيث يطرب إذا أنشد أو قرأ، وله في ذلك أعمال، وإجادته للتكلم بالفارسى والتركي إلا أنه بأولهما أمهر، وسلامة الصدر والمحبة في الصالحين وكثرة الاعتقاد فيهم والتعهد لهم.