وقرره الأشرف برسباي شيخًا في المدرسة الأشرفية بعد صرف العلاء علي بن موسى الرومى عنها، واستدعاه بها في يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من ربيع الآخر سنة (٨٢٩ هـ)، فألبسه الخلعة، ورجع، وقد تزايدت بذلك رفعته، فباشرها بشهامة وصرامة إلى أن كان الثالث والعشرين من شعبان سنة (٨٣٣ هـ) حيث شغر مكان التصوّف فيها، فعين الشيخ تلميذه الشمس الأمشاطى لهذا الدرس، وعارضه جوهر الخازندار وعين غيره، فغضب الشيخ لذلك، فلما حضر التصوف وقت العصر على العادة خلع الشيخ طيلسانه ورمى به، وقال: اشهدوا عَليّ أنني عزلت نفسي من هذه المشيخة، وخلعتها كما خلعت طيلساني هذا، وتحول في الحال لبيت في باب القرافة، وبلغ ذلك السلطان فشقّ عليه، وراسله يستعطف خاطره مع أمير آخور جقمق، الذي صار سلطانًا وغيره من الأعيان فلم يجب، وانتقل لطرا فسكنها، وانجمع عن الناس، وخشى جوهر غضب السلطان عليه بسببه، فبادر للاجتماع به لتلافي الأمر، فما أمكنه، فجلس بزاوية هناك كانت عادة الشيخ الصلاة فيها، حتى جاء، فقام إليه حاسر الرأس ذليلا، فقبّل قدمه مصرحًا بالاعتذار والاستغفار، فأجابه بأنني لم أتركها بسببك، بل لله تعالى، وحينئذٍ عين الأمين الأقصرائي فيها بعد تصميمه على عدم القبول، ثم لم يلبث أن أعرض عن تدريس المنصورية أيضًا لتلميذه السيفي، واستمرّ تارة في طرا وتارة في مصر إيثارًا للعزلة وحبًّا للانفراد مع المداومة على الأمر بالمعروف وإغاثة الملهوفين والإغلاظ على الملوك فمن دونهم.
ثم تولى مشيخة الخانقاه الشيخونية بعد موت باكير في جمادى الأولى سنة (٨٤٧ هـ)، فباشرها بحرمة وافرة، وعَمّر أوقافها، وزار معالمها، ولم يحاب أحدًا، ولو عظُم. ثم تركها أيضًا، وسافر إلى "مكة"، وقد قصد المقام بها إلى أن يموت. فلمّا حصل له ضعف في بدنه عاد إلى "مصر".