ثمَّ إنه سَافر إلى "روم إيلي"، فوعظ أهلها، ونهاهم عَن الْمعاصِي، وَأمرهمْ بالفرائض، فانصلح بِسَبَبِهِ كثير من النَّاس، وَبنى جَامعا فِي بَلْدَة "سراي "، ومسجدا فِيهِ، ومسجدا آخر بـ "أسكوب"، وَأقَام هُنَاكَ قدر عشر سِنِين، يُفَسر الْقُرْآن الْعَظِيم كل يَوْم، وَأسلم بَين يَدَيْهِ كثير من الْكفَّار.
وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة غزا مَعَ سلطاننا الأعظم إلى "أنكروس"، ودعا لَهُ وَقت الْقِتَال، فجَاء الْفَتْح الْمُبين، كَمَا تقدم.
ثمَّ انْتقل إلى "بروسه"، وَسكن هُنَاكَ، وَشرع فِي بِنَاء جَامع كَبِير، فَتوفي قبل إتمامه فِي رَابِع الْمحرم سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة، وَقد ناهز السّبْعين، وَدفن فِي حرم الْجَامِع، وَولد من صلبه قريب من مائَة نفس، وَله كتب ورسائل كَثِيرَة فِي فنون عديدة، خُصُوصا فِي علم الكيمياء.
وَكَانَ من الواصلين إليه، وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى كثير التنقل فِي الْبِلَاد، مَحْبُوب الْقُلُوب، تنجذب إليه النُّفُوس، وَكَانَ من التَّقْوَى على جَانب عَظِيم، وَكَانَ لَهُ احْتِيَاط تَامّ فِي مآكله وملابسه وطهارته، وَكَانَت نَفَقَته من تِجَارَته، وَأكْثر أوقاته مصروفة إلى مصَالح الْخلق من الْوَعْظ والتدريس والإفتاء، وَقل حَدِيث ذكر فِي الْكتب وَلم يكن مَحْفُوظًا لَهُ.
وَكَانَ عَالما، ربانيا، دَاعيا إلى الْهدى والإصلاح دَائِما، أمات بدعا كَثِيرَة، وَأَحْيَى سننا كَثِيرَة، وانتفع بِهِ خلق لَا يعرف حسابهم إلا الله تَعَالَى، وَلَا يَتَيَسَّر ذَلِك لغيره إلا أن يُؤْتى مثل مَا أوتي من فضل الله تَعَالَى، روّح الله تَعَالَى روحه، وَنوّر ضريحه.