للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلما جلسْ السُّلْطَان مُحَمَّد خَان على سَرِير السلطنة ثَانِيًا جعل لَهُ كلّ يَوْم مائَة دِرْهَم، وَلما فتح "قسطنطينية" جعل الْمولى خضر بك قَاضِيا فِيهَا، وَلما مَاتَ هُوَ أعطى قَضَاء "قسطنطينية" مَعَ خواصها وَقَضَاء "غلطه" وَقَضَاء "أسكدار" لمولانا خسرو، وَضمَّ إليها تدريس مدرسة "أيا صوفية".

كَانَ يذهب طلبته بأجمعهم إلى بَيته وَقت الضحوة، ويتغدون عِنْده، ثمَّ يركب الْمولى الْمَذْكُور بغلته، ويَمْشِي الطّلبَة قدامه إلى الْمدرسَة، ثمَّ ينزل الْمولي، فيدرس، ثمَّ يَمْشُونَ قدامه إلى بَيته، وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى مَرْبُوع الْقَامَة، عَظِيم اللِّحْيَة.

وَكَانَ يلبس الثِّيَاب الدنيئة، وعَلى رأسه تَاج، عَلَيْهِ عِمَامَة صَغِيرَة، فَإِذا دخل يَوْم الْجُمُعَة جَامع "أيا صوفية" يقوم لَهُ من فِي الْجَامِع كلهم، ويطرقون لَهُ إلى الْمِحْرَاب، وَيُصلي عند المحراب، وَالسُّلْطَان مُحَمَّد خَان ينظر من مَكَانه، ويفتخر بِهِ، وَيَقُول لوزرائه: انْظُرُوا هَذَا أبو حنيفَة زَمَانه.

وَكَانَ متخشّعا، متواضعا، صَاحب أخلاق حميدة، وَصَاحب سُكُون ووقار، وَكَانَ يخْدم فِي بَيت مطالعته بِنَفسِهِ، وَقد كَانَ عهد ذَلِك مَعَ مَا لَهُ من العبيد والجواري، بِحَيْثُ لَا يُحصونَ كَثْرَة، وَكَانَ يكنس بِنَفسِهِ بَيت مطالعته، يُوقد فِيهِ نَارا وسراجا.

وَكَانَ مَعَ مَا له من أشغال الْقَضَاء والتدريس يكْتب كلّ يَوْم ورقتين من كتب السّلف، وَكَانَ لَهُ خطّ حسن، وَخلف بعد مَوته كتبا كَثِيرَة بِخَطِّهِ، وَوجد فِيهَا نسختان بِخَطِّهِ من "شرح المواقف" للسَّيِّد الشريف، واشتراهما بعض من عُلَمَاء هَذِه الديار بِسِتَّة آلاف دِرْهَم.

ثمَّ إن السُّلْطَان مُحَمَّد خَان اتخذ وَليمَة عَظِيمَة فِي ذَلِك الْعَصْر، فأرسل إلى الْمولى الكوراني، واستاذنه فِي أَيْن يجلس، فَقَالَ: الأليق بالكوراني أن يخْدم فِي هَذِه الْوَليمَة، وَلَا يجلس، فَوَقع هَذَا الْكَلَام فِي خاطر السُّلْطَان مُحَمَّد خَان،

<<  <  ج: ص:  >  >>