ومنقولا من كابر لكابر، حتى انتهى إلى جدودي وأسلافي السعداء الشهداء، فكأنهم شرحوا ما بقي من الفقه مجملا، إلخ. إلى أن قال: وقد وقع في رأيى أن أتبعهم بتأليف أصل جليل، يجمع جلّ الحوادث الحكمية والنوازل الشرعية، ليكون عرفا في حال حياتي، وإحسانا لي بعد وفاتي، وقد انضمَّ إلى هذا الرأي الصائب التماس بعض الإخوان، فقابلت التماسهم بالإجابة، وجمعت مسائل "المبسوط"، و"الجامعين"، و"السيرين"، و"الزيادات"، وألحقت بها مسائل النوادر والفتاوى والواقعات، وضممت إليها من الفوائد، التي استفدتها من سيّدى ومولاي والدي، تغمّده الله برحمته، وسميت الكتاب بـ"المحيط"، انتهى ملخصا. هذا كما ترى يرشدك إلى أن اسمه محمد، وهو خلاف ما أجمعت عليه كلمات أكثرهم من أن اسمه محمود، فلتراجع نسخة أخرى، وإلى أن تصنيف "ذخيرته" بعد تصنيف "محيطه". (وليعلم) أنه ذكر ابن أمير حاج الحلبي في "حلية المحلي شرح منية المصلي" في شرح الديباجة، وفي بحث الاغتسال أنه لم يقف على "المحيط البرهاني"، ونقل صاحب "البحر الرائق" عنه أن مفقود في ديارنا، ثم حكم بأنه لا يجوز الإفتاء منه، واستند لما ذكره ابن الهمام أنه لا يحل النقل من الكتب الغريبة، كما مرَّ منا نقله في ترجمة رضى الدين محمد بن محمد السرخسي، وظنَّ بعضهم أن حكمه بعدم جواز الإفتاء منه، لكونه جامعا للرطب واليابس، وبناء عليه ذكرته في رسالتي "النافع الكبير" في عداد الكتب الغير المعتبرة، ثم لما منحني الله مطالعته رأيته كتابا نفيسا مشتملا على مسائل معتمدة، متجنّبا عن المسائل الغريبة الغير المعتبرة، إلا في مواضع قليلة، ومثله واقع في كتب كثيرة، فوضح لي أن حكمه بعدم جواز الإفتاء منه ليس إلا لكونه من الكتب الغريبة المفقودة الغير المتداولة، لا لأمر في نفسه، ولا لأمر في مؤلفه، وهو أمر يختلف باختلاف الأعصار، ويتبدل بتبدل الأقطار، فكم من كتاب يصير مفقودا في إقليم، وهو موجود