للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وليس كذلك بل ذلك كما قلنا ويظهر عند الكشف عن مواطن اتفاقهما في مراجعهما ما ذكرناه، وليس أحدهما بأحق من الآخر في النقل عن كتب من تقدمهما.

وكان البدر العيني ابتدأ في شرحه سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، وأتم سنة سبع وأربعين وثمانمائة بعد فراغ ابن حجر من شرحه بخمس سنوات، وأدهش ابن حجر وأصحابه من ظهور شرح البدر بهذا المظهر الباهر، فأبدأ أصحابه يذيعون أعذارا لشيخهم مولدة، ويبخسون البدر حقّه عدوانا.

وبعد أن اطلع الشهاب على شرح البدر أخذ يؤلّف في دفع اعتراضاته كتابا، سماه "انتقاض الاعتراض"، فكتب الاعتراضات، وترك ما تحتها بياضا ليتسنى له الإجابة عنها، فاخترمته المنية، ولم يقدر أن يجيب عن غالبها، وإن أصلح بعض مواضع من شرحه بعد ذلك، مع أنه عاش بعد إتمام البدر شرحه خمس سنوات، والكمال لله وحده، وكلاهما شرح حافل.

ويحكي العلامة ابن خلدون عن مشايخه أن شرح البخاري دين على الأمة، لم يقم بوفائه أحد من العُلماء حسبما يجب، ولو عاش ابن خلدون إلى زمن ظهور الشرحين لربما حكم لهما بقضاء هذا الدين، ويميل السخاوي إلى أن القائم بذلك هو شيخه ابن حجر، وصاحب "كشف الظنون" حكم لهما بوفاء الدين على حد سواء، لكن الظاهر أن للعيني الحظّ الأوفر في ذلك عند من أنصف، ولم يتجبر، فمن خاض في بحار شرحه الفياض يرى نفسه أنه في ملتقى سبل العلوم، قام فطاحل العُلماء من كلّ فن على مسالكها بتيار من الأنوار، يضيؤون طرائق الفهم من جميع المناحي لغة، وإعرابا، وبلاغة، واستنباطا، كشفا عن تراجم الرجال، وضبط كناهم، وألقابهم، وأسمائهم، وأنسابهم، وبيانا لفوائد حديثية ولطائف إسنادية، ومسائل أصلية وفرعية، ودقائق عقلية، ونقلية، وتخريجا لأدلة الأحكام الخلافية مع المحاكمة بينها، وبسطا لمذاهب العُلماء في

<<  <  ج: ص:  >  >>