شعرى أيّ باب من الزلل ما دخل إليه، وأيّ نوع من الخطل ما أقام عاكفًا عليه، على أنه من يغتابه من المذمة سليم خالص، وما زال يتمثل بقول الشاعر:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص
ومنها: جلوسه مع زعنفة لم تحنكهم التجارب، ولم يزيدوا في الفضل على صبيان المكاتب، موهمًا أنه انتظم في سلك الأفاضل، مخيلًا أنه ورد من مياه الفضل أعذب المناهل مفاخرًا بالأشعار، التي لو أنصف دفعها إلى أهلها، ولما تكلف من غير انتفاع بها مشقة حملها فهو جالس بين القبور، طالبًا للنزال، أو كملهوف إلى الورد قانعًا بالآل عن الزلال:
وإذا ما خلا الجبان بأرض … طلب الطعان وحده والنزالا
ومنها: أنه يشمخ بأنفه على عصابة، هم جمال الأنام، وبمثلهم تفتخر الليالي والأيام، مع حقارة متاعه وقصر باعه، فيا لله العجب، ممن سقط عن مرتبة الطلب، كيف يترقى إلى معالي الرتب:
ما لمن ينصب الحبائل أرضا … ثم يرجو بأن يصيد الهلالا
فيا أيها الناكب عن طريق الصواب الذاهب في غير مذاهب أولي الألباب، ويحك إلى متى تتوكأ على العكاز، وتدعى بين الناس أنك من أهل البراز، ويلك، هلا وقفت في مجازك، وما تعديت من حقيقتك إلى مجازك.
ومن جهلت نفسه قدره … رأى غيره منه ما لا يرى
ولعمري، لقد كاد زيفك أن يروج، وقربت على عرجك من العروج، لكن قيض الله لك ناقدًا بصيرًا، وعالمًا كاملًا خبيرًا، فأظهر عوارك الذي كنت تخفيه، وأبدى من حالك ما لم تكن تبديه، وذلك علامة المحققين بلا نزاع، وخاتمة المدققين من غير دفاع، هو من أقول فيه من غير شك ولا تمويه:
هذا الهمام الذي من عز سطوته … أمسى الذي رام ظلم الخلق مبتذلا