فما زلت أغترف من حياضها، وأقتطف من رياضها، راويًا عنها غيث الأدب الذي انسجم، ناقلًا عنها الفصحاء العرب ما يزرى بلامية العجم، قائلًا: لله در مؤلفها، فلقد فتح من البلاغة بابًا مقفلًا، ومنح من صحاح ألفاظه لأهل الأدب مجملًا ومفصلًا.
بيد أنها ترجمت عن أوصاف صادقة على موصوف، وحدثت عن اقتراف من هو بالمنكر معروف، فتعجبت من المبنى عنه مع قرب المعنى، وأفكرت في كمال يجتمع مع النقص في منزل ومغنى، فقلت: أما الأوصاف فإنها عليه صادقة، وأما الألفاظ فإنها بفضيلته غير لائقة، فعلمت أن ذلك، كما يحكى عن أبي زيد الذي كان تعارجه لكيد وصيد، ومن أين هذه التراكيب لمن انحلّ تركيبه، واختلّ ما بين أهل الكمال ترتيبه، ولعمري لقد حدث عنه لسان الرسالة، فوعى من الكثير قليلًا، واختصر في إيضاح بيانه، والمتن يحتمل شرحًا طويلًا، على أن في اعتذار المؤلّف عن عدم التكثير مندوحة بقوله: والقطرة تنبئ عن الغدير إعلامًا بأن البعرة تدل على البعير، إشارة إلى وقوف السقطات كثرة المخازي والجهالات، فمن ذلك روايته للحديث من غير معرفة كلام العرب، ودخوله في قوله صلى الله عليه وسلم:"من كذب"، هذا مع عدم الإجازة المأخوذة لرواية الحديث، لا في زمنه السابق، ولا في وقته الحديث.
ومنها: أنه يدعى الوعظ، وليس متعظًا، ومنها: مداومته على اغتياب من شماله أندى من يمينه، وغثه ما زال أنفع من سمينه، فإلى متى يقرض الأعراض السليمة، وهلا اشتغل بأحواله الحائلة السقيمة، ليت