وَكَانَ رَحمَه الله رجلا سليما، مَأْمُون الصُّحْبَة، مطرح التَّكَلُّف، كثير التَّوَاضُع، لَا يضمر السوء لأحَد. وخلاصة الأمر الْمَذْكُور: أن بايزيدخان المزبور كان أميرا فِي قَصَبَة "كوتاهية"، فقلده أبوه السُّلطان سُليْمَان إمارة "أماسيه"، وَنصب مَكَانَهُ أخاه الأكبر سلطاننا السُّلطَان سليم خان المظفر، فاستشعر بايزيدخان الْمَزْبُور من الأمير المسفور ميلًا من أبيه إلى جَانب أخيه بِسَبَب أن "كوتاهية" قريبَة إلى "قسطنطينية" من "أماسيه"، فامتلأت من ذَلِك نَفسه حسدا وغيظا، تاليا قَوْله تَعَالَى {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى}، فصمّم فِي الخُرُوج عَن طَاعة أبيه السُّلْطَان، والإغارة على أخيه سليم خان، فَاجْتمع عَلَيْه أصحاب الْبَغي وَالْفساد، من الَّذين طغوا فِي البِلَاد، من لصوص الأتراك، وأشرار الأكراد، وجند الجُنُود، وحشد الحشود، وعزم على القتال، مغترا بِمن عِنْده من أَرْبَاب الْبَغى والضلال، وَلم يدر أن حافر الْبِئْر لأخيه سَاقِط لَا محَالة فِيه.
فَلَمَّا وصل هذَا الخبَر إلى أبيه السُّلْطَان أرسل إليه ينصحه، ويعاتبه على هذَا الْبَغي والعدوان، وَلم يزده النصح إلا الْبَغي والنفور والرعونة والغرور، وَلم ينحرف عَن جادة خسرانه، وَلم يرتدع عَن طَريقَة طغيانه، وَأبي عَن قبُول النصح، واستكبر، وَكَانَ بغاثا فِي أرضه، فاستنسر، فداس الْبِلَاد بمن التف عَلَيْه من أرباب الْفساد، وَقصد إلى قتال أخيه، مُعْلنا بِالخُرُوجِ عَن طَاعَة أبيه.
فَلَمَّا استيقنه السُّلْطَان أشار إلى من عِنْده من الأبطال والفرسان ليلتحقوا إلى ابْنه سليم خَان، ويتفقوا على تدمير الفئة الباغية، واستئصال الْفرْقَة الطاغية، فأجابوه بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة، وتقلدوا بجرائز التباعة، فَلَمَّا وصل الفئة الباغية إلى ظَاهر "قونية" كالقضاء المبرم عارضهم السُّلْطَان سليم خَان بِجَيْش جرار عَرَمْرَم، فَلَمَّا اجْتمع بِهِ الفتئان، وتقابل الْفَرِيقَانِ، ودارت رحى الحَرْب، وحمي الْوَطِيس، وتصادم الخيمس بالخميس، قَامَت معركة كلت عَن