للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَآخر أمْر الأمير بايزيد: أنه سَافر وجدّ فِي سيره، وَلم يقدر أحَد من الأمراء العثمانية على مَنعه وضيره، وأن تتَابع الأمر بِهِ إليهم من جَانب السُّلْطَان، حَتَّى وصل إلى بلاد العجم فِي قَلِيل من الزَّمَان، فَاسْتَقْبلهُ رئيس الْمُلْحِدِينَ وعمدة المتمردين شاه طهماسب فِي نفر يسير من أصحابه، يُمكن استئصاله بِمن مَعَه من خُلَاصَة أحزابه، فَعرض على بايزيدخان بعض من أمرائه الشجعان أن يَأْخُذُوا طهماسب، ويقتلوا أصحابه، ويستأصلوا أحزابه، فغلب عَلَيْهِ الجُبْن وَالخَوْف، فَلم يكن بِهِ رَاضِيا، وَأَخطَأ فِي رَأْيه ثَانِيًا، فَكَانَ فِي الآخر مصداق لما قَالَه الشَّاعِر:

إذا الْمَرْء لم يعرف مصَالح نَفسه … وَلَا هُوَ إن قَالَ الأحباء يسمع

فَلَا ترج مِنْهُ الخيْر واتركه إنه … بأيدي صروف الحادثات سيصفع

وَلما اجْتمعَا أظهر طهماسب فِي وَجه بايزيد تودّدا عَظِيما، ووعد لَهُ جميلا، وأتى بهِ مَعَ أصحابه إلى بَلَده، ثمَّ فرق أصحابه بأنواع الخدع والحيل، حَتَّى غدَر به، فحبسه مَعَ أولاده، فَكَانَ يضْرب بِهِ الْمثل، وَقتل أكثر أصحابه، وخلص بَعضهم نَفسه بِالدُّخُولِ فِي مَذْهَبهم الْبَاطل، واحتال بَعضهم، حتَّى وصل إلى ديار الإسلام، وَنَجا من ذَلك الخطب الهائل، اللَّهُمَّ سلط عَلَيْهِم من يَأْخُذ ثارهم، وَيخرب دِيارهم، ويمحو آثَارهم، واضربهم فِي نحورهم، ونج الْمُسلمين من شرورهم، وَاجعل من خبائث وجودهم الأرض طاهِرَة، واجعلهم عِبْرَة للْعَالمين فِي الأولى والآخرة، وَلما وصل الْخَبَر إلى السُّلْطَان أرسل إلى طهماسب عدَّة من أمرائه، معَ هدايَا سميَّة، وتحف سنية، وَطلب مِنهُ أولاده الماسورين، فسلمهم إليه مقتولين، فَلَمَّا قبضوا أجسادهم دفنوهم فِي بَلْدَة "سيواس" رب اعْفُ عَنْهُم، وارحمهم بِحرْمَة سيد الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>