ودخل في تاسع صفر سنة سبع وستين، وسكن بـ"خان الصاغة"، وحضر دروس أشياخ الوقت، كالشيخ أحمد الملوي، والجوهري، والحفني، والبليدي، والصعيدي، والمدابغي، وغيرهم.
وسمع الحديث من علمائها، وكذلك سافر إلى "أسيوط" وبلاد "الصعيد"، وتلقّى عن علمائها.
ثم تزوّج، وسكن بـ"عطفة الغسال"، وشرع في تصنيف الكتاب الذي شاع ذكره، وطار في سائر الأقطار والأمصار، الدال على علوّ كعبه ورسوخ قدمه في علم اللغة، المسمّى بـ"تاج العروس"، حتى أتمّه عشر مجلّدات كوامل في أربعة عشر عاما وشهرين، وعند إتمامه أولم وليمة حافلة، جمع فيها طلبة العلم، وأشياخ الوقت، وأطلعهم عليه، فشهدوا بفضله وسعة اطلاعه ورسوخه في علم اللغة.
ثم انتقل إلى منزل بسويقة اللالا، وذلك في أوائل سنة تسع وثمانين، فأقبل عليه أكابر تلك الخطّة وأعيانها، ورغبوا في معاشرته.
لأنه كان لطيف الشكل والذات، حسن الصفات، بشوشا، بسوما، وقورا، محتشما.
وكان يعتمّ مثل أهل "مكّة" عمامة منحرفة بشاش أبيض، ولها عذبة مرخاة على قفاه، ولها حبكة وشراريب حرير، طولها قريب من متر.
وكان ربعة، نحيف البدن، ذهبي اللون، متناسب الأعضاء، معتدل اللحية، قد وخطه الشيب في أكثرها، مترفا في ملبسه، مستحضرا للنوادر والمناسبات، ذكيا فطنا، واسع الحفظ، عارفا باللغة التركية والفارسية، فاستأنس به أهل تلك الخطّة، وأحبوه، وصار يعطيهم، ويفيدهم بفوائد، ويجيزهم بقراءة أوراد وأحزاب، فتناقلوا خبره وحديثه، فأقبل عليه الناس من كلّ