للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

طريق البر، فدخلها في سابع عشر شعبان، ونزل مدرسة سورتي مدة، وبعدها تنقل في كثير من المدارس والأماكن، ومكث بتلك البلاد، معتكفًا على التأليف والنظم في السلوك وحقائقه غير مشتغل بأمر من أمور الدنيا، ولا توجّه فيها إلى أحد من أرباب مناصبها، وكان كلما سكن في جهة، وشاع خبره فيها، وقصده أهلها يرتحل إلى أخرى أبعد ما يكون عنها، وهلمّ جرا، وفيها كان يجتمع بالإمام الكامل السيّد محمد بن أحمد التافلاتي المقدم ذكره، وهو شيخه من وجه، وتلميذه من آخر، فإن صاحب الترجمة كان يقول عنه تارة: شيخنا، وأخرى محبنا، ولم يزل بها مقيمًا ينفق من حيث لا يحتسب، ولا يصل إليه من أحد شيء أبدًا، وفي سنة سبع وثلاثين ومائة وألف أخذ العهد العام على جميع طوائف الجان أن لا يؤذوا أحدًا من مريديه، الذين أخذوا عنه أو عن ذريته بمشهد كان فيه السيّد التافلاتي وغيره من المريدين، وأفاد هو قدّس سرّه أن إقامته هذه المدة في الديار الرومية كانت لأمور، اقتضتها أحكام القدرة الإلهية، ولما ضاق صدره، واشتاق إلى رؤية أهله، توجّه بمن معه إلى"أسكدار" في ثالث محرّم سنة تسع وثلاثين، وسار على طريق البر، فدخل "حلب" الشهباء في صفر، ونزل الخسروية مجاورًا للشيخ أحمد البني، ثم في ثاني شهر ربيع الأول توجّه قاصدًا لـ "لعراق" لزيارة سكّانه، ووصل إلى "بغداد" في آخر جمادى الأولى، ونزل في التكية القادرية ملازمًا ومشاهدًا تلك الأنوار والأطوار القادرية، ولم يدع مزارًا إلا وزاره، ولا ما يتبرك به إلا أحل به قراره، وجاءه في أثناء ذلك مكتوب من شيخه الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي يحثّه فيه على العود إلى المنازل الشامية لأجل والدته، فهم على المسير.

وفي أوائل صفر الخير عزم على العود إلى المنازل الشامية، وفي الثاني والعشرين منه وصل إلى "الموصل"، ومنها دخل إلى "حلب"، ونزل في الخسروية في خلوة الشيخ أحمد البني، وكان يقيم فيها الأذكار، ويحضر ورد السحر ما يفوق على الخمسين بمقدار، وفي ثامن شوال توجّه منها إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>