وقرأ عَلَيْهِ السُّلْطَان متن عز الدّين الزنجاني فِي التصريف، وَكتب هُوَ شرحا عَلَيْهِ، وتقرب عِنْده غَايَة التَّقَرُّب، حَتَّى حسده الْوَزير مَحْمُود باشا، وَقَالَ يَوْمًا للسُّلْطَان: يُرِيد خواجه زَاده منصب قَضَاء الْعَسْكَر، قَالَ: لأيّ شَيْء يتْرك صحبتي؟ قَالَ: يُريدهُ، وَقَالَ لخواجه زَاده أمرك السُّلْطَان أن تصير قَاضِي الْعَسْكَر، فَقَالَ: أنا لَا أريده.
قَالَ: هَكَذَا جرى الأمر، فامتثل أمْرَهْ، وَصَارَ قَاضِيا بالعسكر، وَكَانَ وَالِده وقتئذ فِي الْحَيَاة، فَسمع أن ولده صَار قَاضِيا بالعسكر، فَلم يصدق، وَلما تَوَاتر الْخَبَر قَامَ من "بروسه" إلى مَدِينَة "أدرنه" لزيارة ابْنه، فَلَمَّا قرب من "أدرنه" استقبله الْمولى خواجه زَاده، وَتَبعهُ عُلَمَاء الْبَلَد، وأشرافه، فَنظر وَالِده، فَرَأى جمعا عَظِيما، وَقَالَ من هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: ابْنك، قَالَ: إن ابْني هَل بلغ إلى هَذِه الْمرتبَة، قَالُوا: نعم.
فَلَمَّا رأى الْمولى خواجه زَاده وَالِده نزل عَن فرسه، وَنزل وَالِده أيضا، فَقبل وَلَده، وعانقه، وَاعْتذر إليه عَن تَقْصِيره، وَقَالَ الْمولى خواجه زَاده: إنك لَو أعطيتني مَالا لما بلغت إلى هَذَا الجاه، ثمَّ إنه عرض وَالِده على السُّلْطَان، وأذن لَهُ فِي الدخُول عَلَيْهِ، فَدخل هُوَ عَلَيْهِ بهدَايَا جزيلة، وَقبل يَد السُّلْطَان.
ثمَّ إن الْمولى خواجه زَاده صنع ضِيَافَة عَظِيمَة لوالده، وَجمع الْعلمَاء والأكابر، وَجلسَ هُوَ فِي صدر الْمجْلس، ووالده عِنْده، وَسَائِر الأكابر جَلَسُوا على قدر مَرَاتِبهمْ، وَلم يمُكن لإخوانه الْجُلُوس فِي الْمجْلس لازدحام الأكابر، فَقَامُوا مقَام الخدم، فَقَالَ الْمولى خواجه زَاده فِي نَفسه: هَذَا مَا ذكره لي الشَّيْخ ولي شمس الدّين رَحمَه الله تَعَالَى على ذَلِك، ثمَّ إن السُّلْطَان أعطاه تدريس سلطانية "بروسه"، وَعين لَهُ كل يَوْم خمسين درهما.
وَحكى وَالِدي رَحمَه الله تَعَالَى عَنهُ أنه قَالَ: حِين كنت مدرسا بسلطانية "بروسه" كنت فِي سنّ ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة، وَلَيْسَ لي محبَّة شَيْء
* * *
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute