إذا سرني أول الأمر لم أزل … على حذر من غمه فِي عواقبه
وَمَعَ ذَلِك لم يظْهر الْعَجز والأسف، وَسَار سيرة السّلف، وَستر الْحزن والكآبة، وَعمر مَسجده، وَفتح بَابه، وَأظْهر الاهتمام فِي أَدَاء وظائف الخدام، حَتَّى حكم فرقة من النَّاس بَأن هَذِه الْحَالَات لَيست إلا مَحْض الكرامات، وَقصد إِلَيْهِ بالنذور والقرابين أرباب السفن وَطَائِفَة الملاحين.
وَكَانَ رَحمَه الله قد حفر قَبره، وتهيأ لمنونه، وانتظره، وادخر ألفي دِرْهَم للتجهيز والتكفين، وأدى زَكَاته مُدَّة عشر سِنِين، وَمَات رَحمَه الله من مرض الهيضة سنة تسع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة، وقبره رَحمَه الله تَعَالَى عِنْد مَسْجده فِي قَصَبَة قَاسم باشا، يسّر الله فِي عقباه مَا شاء، وحزن النَّاس بِمَوْتِهِ، وتبركوا بتربته، وَقد ذهب عمره بالتجرد والانفراد، وَلم يمل إلى التوليد وَالِاسْتِيلَاد.
وَكَانَ رَحمَه الله بهي المنظر، لطيف الْمخبر، حُلْو المحاضرة، حسن المحاورة، مَوْصُوفا بالعفة وَالصَّلَاح، يلوح من جَبينه آثَار الْفَوْز والفلاح، وَكَانَ رَحمَه الله جوادا، لا يلبث فِي ساحة رَاحَته غير جوده وسماحته، وَكَانَ رَحمَه الله مكبا على التأليف، وحريصا على التَّحْرِير، والتصنيف، فَكتب كل مَا خطر بِبَالِهِ من غير تَمْيِيز مستقبمة عَن محاله، وَمَعَ ذَلِك لم ينظر إلى مَوْضُوع مرَّتيْنِ، وَلم يرجع الْبَصَر كرتين، فَلم يَتَيَسَّر لَهُ الإحسان والإجادة، وخلت تصانيفه عَن الإفادة وَلَا غرو فِيهِ، فَمَا كل هاتفة وَرْقَاء، وَمَا كل ناظرة زقاء غير أنه ترك من شُرُوح بعض الْكتب الفارسية آثارا جميلَة، ومؤلفات لَا يظفر عَلَيْهَا إلا بأثمان جليلة، تواليفه الْعَرَبيَّة، مِنْهَا: الْحَوَاشِي الْكُبْرَى على "تفْسِير الْبَيْضَاوِيّ"، وأولها: الْحَمد لله الَّذِي جعلني