للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأكرر كثيرا مَا فِي البال مَا أنشده بَعضهم وَقَالَ

ليَالِي اللَّذَّات سقيا لَك … مَا كنت إلا فَرحا كلك

عودى كَمَا كنت لنا أولا … نَحن إن عدت عبيد لَك

ثمَّ عَاد رَحمَه الله إلى مَدِينَة "أدرنه"، وانتقل بهَا إلى رَحْمَة الله تَعَالَى، وَدفن بِقرب زَاوِيَة الشَّيْخ شُجَاع، وَكَانَ ذَلِك فِي شهر محرّم من شهور سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة.

كَانَ رَحمَه الله بحرا من بحار الْحَقِيقَة، وكهفا منيعا لأرباب الطَّرِيقَة متخليا عَن العلائق الناسوتية، متحليا فِي مفاخر الْحلَل اللاهوتية، مهبطا للأنوار السبحانية، ومخزنا للأسرار الإلهامية، منجمعا عَن النَّاس، معرضًا عَن تكلفاتهم، وراغبا عَن بدعهم ومزخرفاتهم، لَا يطوف بأبواب الأمراء، وَلَا يطْرق مجَالِس الأغنياء، مشتغلا بِنَفسِهِ فِي يَوْمه وأمسه.

وَله كشوفات عَجِيبَة، وإشرافات على الخواطر غَرِيبَة، وظني بِهِ كَونه، محيطا بِجَمِيعِ أحوال من استرشد بِهِ، وتشبث بِسَبَبِهِ.

وَله الْيَد الطولى فِي تصريف قبُول المريدين وتربية المسترشدين، وَلَوْلَا تَزْكِيَة النفس، وَاحْتِمَال التبجح، والرياء لذكرت مَا ظهر لي عِنْد إقامتي فِي زاويته الشَّرِيفَة فِي بعض الأوقات المنيفة أنفاسه الطّيبَة، وهممه الصيبة.

وَحكى بعض من أثق بِهِ من الإشراف أنه قَالَ كنت معتكفا عِنْده فِي بعض الأيام، وَلما صليت الصُّبْح جَلَست فِي الْمَسْجِد، مشتغلا بِالذكر، وَالشَّيْخ رَحمَه الله فِي الْجَانِب الآخر من الْمَسْجِد، مُتَوَجَّها إلى الْقبْلَة مراقبا، وَكَانَ يلاحظني بنظره الشريف أحيانا، ويلتفت إلي مرَارًا، فَبينا أنا على هَذِه الْحَالة إذ عرض لي انجذاب عَظِيم، وَتوجّه تَامّ، وَغلب عَليّ الوجد وَالْحَال، وَظهر لي أمور غَرِيبَة وآثار عَجِيبَة، كَادَت أن تذْهب بلبي، وَمن الله تَعَالَى فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>