الشَّيْخ عبد الرحيم المؤيدي المشتهر بحاجي جلبي، فخدمته مُدَّة، وحصلت من فنون التصوف عدَّة، وَكَانَ مني مَا كَانَ، فَظهر مَا فِي حيّز الإمكان، ودمت على المصابرة وَالِاجْتِهَاد اثْنَتَيْ عشرَة سنة، وأجيز لي بالإرشاد.
وَقد سأَلته عَن آخر الْحَالَات الَّتِي وَقعت لَهُ عِنْد شَيْخه، فَقَالَ رَحمَه الله: كنت مُقيما فِي بعض الخلوات عند الشيخ عبد الرحيم المؤيدي، وأنا مداوم على الذّكر، ومشتغل بِالتَّوْحِيدِ، فإذا بشخص عَظِيم الهيبة دخل عَليّ، وَقصد إليَّ، ومزق جَسَدِى بيدَيْهِ كل ممزّق، وَتَرَكَنِي، فَعَاد جَسَدِي إلى حَالَته الأولى، فَعَاد فِي التمزيق وتكرر ذَلِك من الطَّرفَيْنِ، وَاسْتمرّ سَاعَات، وَعرض لي من ذَلِك انزعاج كلي واضطراب عَظِيم، وَحصل لي من الفناء والسكون مَا لا يُمكن تَعْبِيره.
فعرضت ذَلِك على الشَّيْخ، ففرح بِهِ، وبشَّرني بِحُصُول الْمَطْلُوب، وأجاز لي بعد ذَلِك بالإرشاد، وأرسلني إلى وَالِدي قلت: وَلما انْتقل وَالِده رَحمَه الله قَامَ هُوَ مقَامه فِي زَاوِيَة الشَّيْخ شُجَاع، وأكبَّ على الِاشْتِغَال، ولازم التَّوَجُّه والإقبال إلى جناب حَضْرَة المتعال، وعامل الله فِي سرّه وجهره، حَتَّى صَار فريد عصره ووحيد دهره، وَفتح بَاب التربية، والإرشاد على أرباب السَّعْي وَالِاجْتِهَاد، فَرب ساع قطع بصارم تَرْبِيَته صريمة الأمل، وَحصل بهمته الشَّرِيفَة طرفا صَالحا، وكمل.
ثمَّ نقل إلى زَاوِيَة الشَّيْخ محي الدّين بـ "قسطنطينية" المحمية، فشرفها بمقدمه الشريف، ونوَّرها بروائه اللَّطِيف، وَأقَام بهَا مُدَّة سبع سِنِين، وَقد اتَّصَلت بِهِ فِي إقامة ذَلِك، وتبركت بمجالسته الشَّريفَة، وأنفاسه اللطيفة، وَكلما يمرّ ذَلِك بالخاطر يذكرنِي قَول الشَّاعِر:
وَكَانَت بالعراق لنا لَيَال … سرقناهن من أيدي الزَّمَان