مَحل الامتحان من ذَلِك الْكتاب ردا على صَاحب "التَّنْقِيح"، فَلَمَّا وقف عَلَيْهِ الْمولى جوى زَاده نَقله فِي رسَالَته بِلَفْظ قيل، وأجاب عَنهُ، فَلَمَّا تمّ الامتحان وتقرر رُجْحَان الْمولى جوي زَاده سعى بعض أعدائه إلى الْمُفْتِي الْمَزْبُور بأنه كتب كلامك فِي رسَالَته بتَخْفِيف وتنقيص، فَغَضب الْمُفْتِي، وشكا إلى السُّلْطَان، فأمر بحبسه وتسلية الْمُفْتِي، فأرسل إليه من يتعرف ذَلِك، فَقَالَ الْمُفْتِي: لَا أتسلى بِدُونِ قَتله، فعزم السُّلْطَان على أن يقْتله فِي الْبَحْر، إلا أنه لم يُسَارع فِيهِ، لما أنه كَانَ يسمع فِي الْمولى جوي زَاده من الْفضل وَالتَّقوى.
ثمَّ أشار إلى بعض الرؤساء بَأن يسعوا فِي إزالة غضب الْمُفْتِي وإثاره، فسعى طَائِفَة من الْعلمَاء وَغَيرهم استشعفوا، وَتَضَرَّعُوا إليه، وغيروا الرسَالَة، وعرضوها عَلَيْهِ، وَقَالُوا: إن مَا ذكر كذب وافتراء عَلَيْهِ، فلما أحسوا مِنْهُ الْميل إلى الْعَفو أتوا بِهِ إليه، فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ باس نَعله، فَخرج من عِنْده، فَعَفَا عَنهُ السُّلْطَان، وَذهب إلى إحدى المدرستين المتجاورتين بـ "أدرنه"، وَحرم من الدُّخُول فِي الْمدَارِس الثمان.
ثمَّ قصد السُّلْطَان إلى الْمُفْتِي بالإحسان تَسْلِيَة للأمر السَّابِق وَجَزَاء للعفو الْمَذْكُور، فأرسل إليه من الْكتب والانية وَغَيرهَا، وَطلب مِنْهُ أن يعين عدَّة من طلبته للملازمة، فعين رَحمَه الله فَمِمَّنْ عين المرحوم الْوَالِد وَكَانَ عِنْده بمرتبة، ثمَّ درس المرحوم بمدرسة خَاص كوي بِعشْرين، ثمَّ مدرسة أمير الأمراء بـ "أدرنه" بِخَمْسَة عشْرين، ثمَّ سَاقه بعض الأمور إلى اخْتِيَار منصب الْقَضَاء، وَتَوَلَّى عدَّة مناصب، حَتَّى توفّي بقصبة جورلي، وَهُوَ مُسَافر إلى قَصَبَة "بوردين" بعد تَقْلِيد قَضَائِهِ بِمِائَة وَثَلَاثِينَ، وَدفن بالقصبة المزبورة، وَذَلِكَ فِي شهر رَجَب.
وَقد ولد رَحمَه الله سنة إحدى وَتِسْعمِائَة، وَقد قَرَأت عَلَيْهِ الصّرْف والنحو، ونبذا من علم الْفُرُوع، ٦ وَأَنا فِي ذَلِك مكمل لأول الْعُقُول، وَكَانَ