كَانَ رَحمَهْ الله من أكَابِر الْعلمَاء والفحول الْفُضَلَاء، تَنْشَرِح النُّفُوس بروائه، وَيضْرب الْمثل بذكائه يغبطه النَّاس على نقاء قريحته وَسُرْعَة بديهته المعيا، فطنا، لبيبا، لوذعيا، فَذا، أديبا.
وَكَانَ إذا باحث أقام للأعجاز برهانا، وأصمت الْبَاب وأذهانا، وَكَانَت الْمَشَاهِير من كبار التفاسير مركوزة فِي صحيفَة خاطره، كانها مَوضُوعَة لَدَى ناظره، وَأما الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة فَهُوَ ابْن بجدتها وآخذ بناصيتها، وَقد كتب حَاشِيَة على "تَفْسِير الْبَيْضَاوِيّ" لسورة الأنعام، وعلق حَوَاشِي على مَوَاضِع أخر، إلا أنه لم يَتَيَسَّر لَهُ التبييض والإتمام بِسَبَب أنه سلك مَسْلَك الزّهْد وَالصَّلَاح، وانسم بسمة أصحاب الْفَوْز والفلاح.
وَكَانَ جَامعا بَين الْعلم وَالتَّقوى، متمسكا من حبال الشَّرِيعَة الشَّرِيفَة بِالسَّبَبِ الأقوى، وَكَانَ يحفظ الْقُرْآن الْكَرِيم، وَيخْتم فِي صلواته فِي كل أسبوع مرّة، وَقَالَ يَوْمًا أني مُنْذُ خمسين سنة لم يتَّفق لي قَضَاء صَلَاة الصُّبْح، فَكيف غَيرهَا.
وَكَانَ رَحمَه الله يَقُول: لَا بُد إني أموت فِىِ انْقِضَاء رَمَضَان، وأدفن لَيْلَة الْقدر، وَكَانَ الأمر كَمَا قَالَ، وَكَانَ مَشَايِخ زَمَانه يَقُولُونَ: إنه كمل الطَّرِيقَة الصُّوفِيَّة، وَكَانَ المرحوم الْوَالِد بالي ابْن مُحَمَّد شَرِيكا لَهُ في زمن اشْتِغَاله، وَصَارَ ملازما من الْمولى كَمَال باشا زَاده فِي الْقَضِيَّة الْوَاقِعَة بَين الْمولى الْمَزْبُور وَبَين جوي زَاده.
وخلاصة ذَلِك الْخَبَر أنه لما فتح إحدى الْمدَارِس الثمان امتحن الْمولى محي الدّين الفناري، وَالْمولى القادري، وَالْمولى جوي زَاده، وَالْمولى إسرافيل زَاده، وَالْمولى إسحاق، وَوَقع الامتحان من كتب "الْهِدَايَة"، و"التلويح"، و "المواقف"، فطالعوا فِيهَا، وحرروا رسائل.
وَكَانَ الْمولى كَمَال باشا زَاده يومئذ مفتيا بدار السلطنة، وَقد كَانَ كتب قبل هَذَا كتابا فِي أصول الْفِقْه، وَسَماهُ "تَغْيِير التَّنْقِيح"، فاتفق أن لَهُ فِي