فضربه المولى الكوراني في ذلك المجلس ضربا شديدا، حتى خاف منه السلطان محمد خان، وختم القرآن في مدّة يسيرة، ففرح بذلك السلطان مرادخان، وأرسل إلى المولى الكوراني أموالا عظيمة، ثم إن السلطان محمد خان لما جلس على سرير السلطنة بعد وفاة أبيه المرحوم عرض للمولى المذكور الوزارة، فلم يقبل، وقال: إن مَنْ في بابك من الخدّام والعبيد إنما يخدمونك، لأن ينالوا الوزارة آخر الأمر، وإذا كان الوزير من غيرهم تنحرف قلوبهم عنك، فيختلّ أمر سلطنتك، فاستحسنه السلطان محمد خان، وعرض له قضاء "العسكر"، فقبله، ولما باشر أمر القضاء أعطى التدريس والقضاء لأهلهما من غير عرض على السلطان، فأنكره السلطان، ولكن استحيى منه أن يظهره، فشاور مع الوزراء، فأشاروا إلى أن يقول له السلطان: سمعت إن أوقاف جدّي بمدينة "بروسا" قد اختلّتْ، فلا بدّ من تداركها، فلمّا قال له السلطان: هذا الكلام، قال المولى المذكور: إن أمرتنى بذلك أصلحها، فقال السلطان: هذا يقتضي زمانا مديدا، فقلّده قضاء "بروسا" مع تولية الأوقاف، فقبل المولى المزبور، وذهب إلى مدينة "بروسا"، وبعد مدّة أرسل السلطان إليه واحدا من خدّامه بيده موسوم السلطان، وضمنه أمرا يخالف الشرع، فمزّق الكتاب، وضرب الخادم، فأشمأزّ السلطان لذلك، فعزله، ووقع بينهما منافرة، فارتحل المولى المذكور إلى "مصر"، وسلطانها يومئذ الملك قايتباي، فأكرمه غاية الإكرام، ونال عنده القبول التام، وعاش عنده زمانا بعزّة عظيمة، وحشمة وافرة، وجلالة تامة، ثم إن السلطان محمد خان ندم على ما فعله، فأرسل إلى السلطان قايتباي كتاب السلطان محمد خان للمولى المذكور، ثم قال: لا تذهبْ إليه، فإني أكرمك فوق ما يكرمك هو، قال المولى: نعم، هو كذلك