فأجاب القاضي أنهم إذا أدّوا الجزية عن يد وهم صاغرون، حتى أن المحصّل إذا أراد أن يبصق في أفواههم فتحوها لذلك، وهذا قول أبي حنيفة.
وأما غيره من المجتهدين فإنهم لا يجيزون أخذ الجزية من الوثنيين، فغندهم إما السيف وإما الإسلام، فضحك السلطان. وقال: ما كان لي علم بما تقول، ولكنّي سمعت أنهم لا يؤدّون الجزية، ويركبون الخيل، ويرمون النبال الفارسية، ويلبسون الثياب الثمينة، ويتزيّنون بكلّ زينة، ويشربون الخمر، ولا يخضعون للولاة.
فقلت في نفسي: إني عزمت على أن أفتح بلادا أخرى، وكيف أفتح إذ لم يخضع لنا أهل هذه البلاد؟
فأمرت بالتشديد، حتى خضعوا، وأنت عالم، ولكنك ما اختبرت الأمور، وإني جاهل، ولكنّي اختبرت الأمور، وجرّبت الأحوال، فاعلم أن الوثنيين لا يخضعون لنا حتى يعزروا، ولا يترك لهم إلا ما يكفيهم.
ثم سأله عن السرقة والارتشاء والخيانة، هل تجوز للعمّال وكتّاب الدواوين في الشرع أم لا؟
فأجاب القاضي: الذى وجدت في كتب الشرع أن العمّال إن لم يعطوا ما يكفيهم للحوائج، فأخذوا من بيت المال، أو ارتشوا، أو أنفقوا شيئا من الخراج، يجوز لأولي الأمر أن يأخذوهم بالمال أو بالحبس حسب ما اقتضاه الحال، وأما قطع اليد في ذلك فلم يرد به الشرع، فقال السلطان: إني أمرت أن يعطي العمال ما يكفيهم موسعا عليهم، ولكنهم إذا خانوا في العمل أخذ منهم بالضرب والحبس والقيد، ولذلك ترى أن السرقة والارتشاء والخيانة قد فقدت في هذا العهد.
ثم قال: الأموال التي غنمتها في "ديوكير" في أيام الإمارة قبل أن أكون سلطانا غنمتها بتحمّل المحن والمشاقّ، فهل هي لي خاصّة لنفسي أو لبيت مال المسلمين؟