فقال السلطان: ألا تخاف سيفي، فتقول: إن ما نعطيه نسائنا حرام في الشرع؟
فقال: إني أخاف سيفك، ولذلك أحسب عمامتي كفني، ولكنّ السلطان سألني عن المسائل الشرعية، فأجبت عنها بما علمته، فإن سألني عما تقتضيه المصالح الملوكية أجيب بأن ما ينفقه السلطان على نسائه واحد من ألف.
فقال السلطان: إنك حرمت على كلّ ما سألتك عنه، فلعلّك تحرم ما أفعله من التعزير والتشديد، فإني أمرت في شاربي الخمر وبايعيها بالحبس في الآبار، وبقطع أعضاء الزناة، وبقتل النساء الزواني، وإني لا أميز الصالح من الطالح في البغاة، فأقتلهم وأهلك نساءهم وأبناءهم، ومن يخون في بيت المال أمرت فيه أن يحبس في السجن، ويوضع في الأغلال والقيود، ويضرب، ويطعن، حتى يدفع ما عليه.
فنهض القاضي من المجلس، وذهب إلى صفّ النعال، ووضع جنبيه على الأرض، ونادى بأعلى صوته، سواء قتلني السلطان أو أبقاني، لم يبح له الشرع ذلك، ولم يطلق يده في أن يفعل بالمجرمين ما يشاء.
فكظم السلطان غيظه، ودخل في الحرم، ورجع القاضي إلى بيته، ثم ودع أهله، وأقرباءه في الغد توديع المحتضرين، وتصدّق، واغتسل كغسل الميت، وأتى قصر السلطنة، ودخل على السلطان، فقرّبه السلطان إلى نفسه، وخلع عليه، وكساه، ووصله بألف تنكة.
وقال: إني لم أقرأ شيئا من العلم، ولكنّى ولدت في بيت من بيوت المسلمين، وأخاف أن يخرجوا علينا، فيقتل ألوف من المسلمين، ولذلك أمرتهم بما فيه خيرهم وصلاحهم، فلمّا لم يفعلوا ما أمرتهم شددت عليهم حسب ما اقتضته الحالة، ولا أعلم هل أجازه الشرع أم لا، ولا أعلم ما يفعل بي ربّي يوم القيامة.